وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة}
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى التَّصْيِيرِ وَهَذَا يُضَافُ إِلَى الْعَدَدِ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي اللَّفْظِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَنْقَصَ مِنْهُ بِوَاحِدٍ كَقَوْلِكَ ثَالِثُ اثْنَيْنِ وَرَابِعُ ثَلَاثَةٍ وَخَامِسُ أَرْبَعَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم} أَيْ يُصَيِّرُهُمْ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ أَرْبَعَةً وَخَمْسَةً
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ بَدَأَ بِالثَّلَاثِ وَهَلَّا جَاءَ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى وَاحِدٍ إِلَّا هُوَ ثَانِيهِ وَلَا اثْنَيْنِ إِلَّا هُوَ ثَالِثُهُمْ قِيلَ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ عِبَادِهِ كَفَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَادَّعَى أَنَّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَلَوْ قَالَ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى وَاحِدٍ إِلَّا هُوَ ثَانِيهِ لَثَارَتْ ضَلَالَةٌ مِنْ كُفْرٍ بِاللَّهِ وَجَعْلِهِ ثَانِيًا وَقَالَ وَهَذَا قَوْلُ اللَّهِ هَكَذَا وَلَوْ قَالَ وَلَا اثْنَيْنِ إِلَّا هُوَ ثَالِثُهُمْ لَتَمَسَّكَ بِهِ الْكُفَّارُ فَعَدَلَ سُبْحَانَهُ عَنْ هَذَا لِأَجْلِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ {وَلَا أَدْنَى مِنْ ذلك ولا أكثر} فَذَكَرَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ بِالتَّلْوِيحِ لَا بِالتَّصْرِيحِ فَدَخَلَ تَحْتَهُ مَالَا يَتَنَاهَى وَهَذَا مِنْ بَعْضِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ
حَقُّ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ الْعَدَدُ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ أَنْ يَكُونَ اسْمَ جِنْسٍ أَوِ اسْمَ جَمْعٍ وَحِينَئِذٍ فَيُجَرُّ بِـ "مَنْ" نَحْوُ {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}
ويجوز إضافته نحو {تسعة رهط}
وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمَا مِنَ الْجُمُوعِ أُضِيفَ إِلَيْهِ الْجَمْعُ عَلَى مِثَالِ جَمْعِ الْقِلَّةِ مِنَ التَّكْسِيرِ وَعِلَّتُهُ أَنَّ الْمُضَافَ مَوْضُوعٌ لِلْقِلَّةِ فَتَلْزَمُ إِضَافَتُهُ إِلَى جَمْعِ قِلَّةٍ طَلَبًا لِمُنَاسَبَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ