وَانْظُرْ هُنَا إِلَى لَطِيفَةٍ وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِ أَلَّا يَفْعَلَ إِلَّا مُجَازَاةً وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَذْكُرَ الِاتِّصَافَ بِهِ لَمْ يَأْتِ إِلَّا فِي تَرَاكِيبِ الْأَفْعَالِ كَقَوْلِهِ تعالى {ويضل الله الظالمين} وقال {وإن الله لهاد الذين آمنوا ولكل قوم هاد}
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} فَإِنَّ الْإِهْلَاكَ نَوْعُ اقْتِدَارٍ بَيِّنٍ مَعَ أَنَّ جنسه مقتضي بِهِ عَلَى الْكُلِّ عَالِينَ وَسَافِلِينَ لَا كَالضَّلَالِ الَّذِي جَرَى مَجْرَى الْعِصْيَانِ
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى {تذكروا فإذا هم مبصرون} لِأَنَّ الْبَصَرَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلْمُتَّقِي وَعَيْنُ الشَّيْطَانِ رُبَّمَا حُجِبَتْ فَإِذَا تَذَكَّرَ رَأَى الْمَذْكُورَ وَلَوْ قِيلَ يُبْصِرُونَ لَأَنْبَأَ عَنْ تَجَدُّدِ وَاكْتِسَابِ فِعْلٍ لَا عَوْدِ صِفَةٍ
وَقَوْلُهُ: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يهدين} أَتَى بِالْمَاضِي فِي خَلَقَ لِأَنَّ خَلْقَهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ وَأَتَى بِالْفَاءِ دُونَ الْوَاوِ لِأَنَّهُ كَالْجَوَابِ إِذْ مَنْ صَوَّرَ الْمَنِيَّ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُصَيِّرَهُ ذَا هُدًى وَهُوَ لِلْحَصْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ آلِهَتَهُمْ تَهْدِيهِمْ ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِي هو يطعمني ويسقين} فَأَتَى بِالْمُضَارِعِ لِبَيَانِ تَجَدُّدِ الْإِطْعَامِ وَالسُّقْيَا وَجَاءَتِ الْوَاوُ دُونَ الْفَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُطْعِمِ وَالسَّاقِي وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمَا مِنْ مَكَانٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ إِلَهٍ وأتى به هُوَ لِرَفْعِ ذَلِكَ وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي {فَهُوَ يشفين} لِأَنَّهُ جَوَابٌ وَلَمْ يَقُلْ إِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ إِذْ يَفُوتُ مَا هُوَ مَوْضُوعٌ لِإِفَادَةِ