مُشَاكَلَةُ اللَّفْظِ لِلْمَعْنَى.

وَمَتَّى كَانَ اللَّفْظُ جَزْلًا كَانَ الْمَعْنَى كَذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ من تراب} ، وَلَمْ يَقُلْ مِنْ [طِينٍ] كَمَا أَخْبَرَ بِهِ سبحانه في غير موضع: {ني خالق بشرا من طين} إِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الطِّينِ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ إِلَى ذِكْرِ مُجَرَّدِ التُّرَابِ لِمَعْنًى لَطِيفٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَدْنَى الْعُنْصُرَيْنِ وَأَكْثَفُهُمَا لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مُقَابَلَةَ مَنِ ادَّعَى فِي الْمَسِيحِ الْإِلَهِيَّةَ أَتَى بِمَا يُصَغِّرُ أَمْرَ خَلْقِهِ عِنْدَ مَنِ ادَّعَى ذَلِكَ فَلِهَذَا كَانَ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ التُّرَابِ أَمَسَّ فِي الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْعَنَاصِرِ وَلَمَّا أَرَادَ سُبْحَانَهُ الِامْتِنَانَ عَلَى بَنِي إسرائيل أخبرهم أن يَخْلُقُ لَهُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ تَعْظِيمًا لأمر ما يخلقه بإذنه إذ كان الْمَطْلُوبُ الِاعْتِدَادَ عَلَيْهِمْ بِخَلْقِهِ لِيُعَظِّمُوا قَدْرَ النِّعْمَةِ بِهِ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دابة من ماء} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْمَاءِ دون بقي الْعَنَاصِرِ لِأَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةِ الِاسْتِغْرَاقِ وَلَيْسَ فِي الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعِ مَا يَعُمُّ جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ إِلَّا الْمَاءُ لِيَدْخُلَ الْحَيَوَانُ الْبَحْرِيُّ فِيهَا.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: {تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تكون من الهالكين} فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَتَى بِأَغْرَبِ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَخَوَاتِهَا فَإِنَّ [وَاللَّهِ [وَ [بِاللَّهِ] أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا وَأَعْرَفُ مِنْ [تَاللَّهِ] لَمَّا كَانَ الْفِعْلُ الذي جاور القسم أعزب الصِّيَغِ الَّتِي فِي بَابِهِ فَإِنَّ [كَانَ] وَأَخَوَاتِهَا أَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا مِنْ [تَفْتَأُ] وَأَعْرَفُ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَلِذَلِكَ أَتَى بَعْدَهَا بِأَغْرَبِ أَلْفَاظِ الْهَلَاكِ بِالنِّسْبَةِ وَهِيَ لَفْظَةُ [حَرَضٍ] :.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015