تَأْنِيثُ الْمُذَكَّرِ.

كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هم فيها} فَأَنَّثَ [الْفِرْدَوْسَ] وَهُوَ مُذَكَّرٌ، حَمْلًا عَلَى مَعْنَى الْجَنَّةِ.

وَقَوْلِهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمثالها} ، فَأَنَّثَ [عَشْرُ] حَيْثُ جُرِّدَتْ مِنَ الْهَاءِ مَعَ إِضَافَتِهِ إِلَى الْأَمْثَالِ وَوَاحِدُهَا مُذَكَّرٌ وَفِيهِ أَوْجُهٌ:.

أَحَدُهَا: أَنَّثَ لِإِضَافَةِ الْأَمْثَالِ إِلَى مُؤَنَّثٍ، وَهُوَ ضَمِيرُ الْحَسَنَاتِ وَالْمُضَافُ يَكْتَسِبُ أَحْكَامَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فتكون كقوله: {يلتقطه بعض السيارة} .

وَالثَّانِي: هُوَ مِنْ بَابِ مُرَاعَاةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْأَمْثَالَ فِي الْمَعْنَى مُؤَنَّثَةٌ لِأَنَّ مِثْلَ الْحَسَنَةِ حَسَنَةٌ لَا مَحَالَةَ فَلَمَّا أُرِيدَ تَوْكِيدُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْمُطِيعِ وَأَنَّهُ لَا يَضِيعُ شَيْءٌ مِنْ علمه كَأَنَّ الْحَسَنَةَ الْمُنْتَظَرَةَ وَاقِعَةٌ جُعِلَ التَّأْنِيثُ فِي أَمْثَالِهَا مُنَبِّهَةً عَلَى ذَلِكَ الْوَضْعِ وَإِشَارَةً إِلَيْهِ كما جعلت الهاء في قولهم: رواية وَعَلَّامَةٌ تَنْبِيهًا عَلَى الْمَعْنَى الْمُؤَنَّثِ الْمُرَادِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ الْغَايَةُ وَالنِّهَايَةُ وَلِذَلِكَ أَنَّثَ الْمَثَلَ هُنَا تَوْكِيدًا لِتَصْوِيرِ الْحَسَنَةِ فِي نَفْسِ الْمُطِيعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى الطَّاعَةِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَمْثَالُهَا حُذِفَ وَأُقِيمَتْ صِفَتُهُ مَقَامَهُ وَرُوعِيَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفُ الَّذِي هُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ كَمَا يُرَاعَى الْمُضَافُ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} ، أَيْ أَوْ [كَذِي ظُلُمَاتٍ] وَرَاعَاهُ فِي قَوْلِهِ: {يغشاه موج} ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ الزَّمَخْشَرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَاهُ.

وَأَمَّا ابْنُ جِنِّيٍّ فَذَكَرَ فِي "الْمُحْتَسِبِ" الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَقَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: فهلا حملته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015