وَقِيلَ: مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ مَعَ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَحْذُوفِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَإِنَّ مَكَانَ رَحْمَةِ اللَّهِ قَرِيبٌ ثُمَّ حَذَفَ الْمَكَانَ وَأَعْطَى الرَّحْمَةَ إِعْرَابَهُ وَتَذْكِيرَهُ.

وَقِيلَ: مِنْ حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَإِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَهُ أَيْ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ شَيْءٌ قَرِيبٌ أَوْ لَطِيفٌ أَوْ بِرٌّ أَوْ إِحْسَانٌ.

وَقِيلَ: مِنْ بَابِ إِكْسَابِ الْمُضَافِ حُكْمَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ صَالِحًا لِلْحَذْفِ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِالثَّانِي وَالْمَشْهُورُ فِي هَذَا تَأْنِيثُ الْمُذَكَّرِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى مُؤَنَّثٍ كَقَوْلِهِ:

مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَالِيهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ

فَقَالَ: تَسَفَّهَتْ وَالْفَاعِلُ مُذَكَّرٌ لِأَنَّهُ اكْتَسَبَ تَأْنِيثًا مِنَ الرِّيَاحِ إِذِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ جَائِزٌ وَإِذَا كَانَتِ الْإِضَافَةُ عَلَى هَذَا تُعْطِي الْمُضَافَ تَأْنِيثًا لَمْ يَكُنْ لَهُ فَلَأَنْ تُعْطِيَهُ تَذْكِيرًا لَمْ يَكُنْ لَهُ كَمَا فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَحَقُّ وَأَوْلَى لِأَنَّ التَّذْكِيرَ أَوْلَى وَالرُّجُوعَ إِلَيْهِ أَسْهَلُ مِنَ الْخُرُوجِ عَنْهُ.

وَقِيلَ: مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ بِأَحَدِ الْمَذْكُورَيْنِ لِكَوْنِ الْآخَرِ تَبَعًا لَهُ وَمَعْنًى من معاينة.

وَمِنْهُ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَظَلَّتْ أعناقهم لها خاضعين} فَاسْتُغْنِيَ عَنْ خَبَرِ الْأَعْنَاقِ بِخَبَرِ أَصْحَابِهَا وَالْأَصْلُ هُنَا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ فَاسْتُغْنِيَ بِخَبَرِ الْمَحْذُوفِ عَنْ خَبَرِ الْمَوْجُودِ وَسَوَّغَ ظُهُورَ ذَلِكَ الْمَعْنَى.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَمْ يَقُلْ قَرِيبَةٌ لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَمَجَازَهَا الْوَقْتُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015