لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَنْشِيطِ السَّامِعِ وَاسْتِجْلَابِ صفائه واتساع مجاري الكلام وتسهيل لوزن وَالْقَافِيَةِ.

وَقَالَ الْبَيَانِيُّونَ: إِنَّ الْكَلَامَ إِذَا جَاءَ عَلَى أُسْلُوبٍ وَاحِدٍ وَطَالَ حَسُنَ تَغْيِيرُ الطَّرِيقَةِ.

ونازعهم القاضي شمس الدين بن الجوزي وَقَالَ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُجَرَّدَ هَذَا لَا يَكْفِي فِي الْمُنَاسَبَةِ فَإِنَّا رَأَيْنَا كَلَامًا أَطْوَلَ فِي هَذَا وَالْأُسْلُوبُ مَحْفُوظٌ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات..} إِلَى أَنْ ذَكَرَ عَشَرَةَ أَصْنَافٍ وَخَتَمَ بِـ {الذاكرين الله كثيرا والذاكرات} ، وَلَمْ يُغَيِّرِ الْأُسْلُوبَ وَإِنَّمَا الْمُنَاسَبَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ كَثِيرُ التَّقَلُّبِ وَقَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرحمن ويقلبه كَيْفَ يَشَاءُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَائِبًا فَيَحْضُرُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَآخَرُ يَكُونُ حَاضِرًا فَيَغِيبُ فَاللَّهُ تَعَالَى لما قال: {الحمد لله رب العالمين} تَنَبَّهَ السَّامِعُ وَحَضَرَ قَلْبُهُ فَقَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين} .

وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَحَالِّهِ وَمَوَاقِعِ الْكَلَامِ فِيهِ عَلَى مَا يَقْصِدُهُ الْمُتَكَلِّمُ.

فَمِنْهَا: قَصْدُ تَعْظِيمِ شَأْنِ الْمُخَاطَبِ، كَمَا فِي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين} ، فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا افْتَتَحَ حَمْدَ مَوْلَاهُ بِقَوْلِهِ: [الْحَمْدُ لِلَّهِ] الدَّالِّ عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِالْحَمْدِ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ التَّحَرُّكَ لِلْإِقْبَالِ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فَإِذَا انتقل إلى قوله: {رب العالمين} الدَّالِّ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ لِجَمِيعِهِمْ قَوِيَ تَحَرُّكُهُ فَإِذَا قال: {الرحمن الرحيم} الدَّالُّ عَلَى أَنَّهُ مُنْعِمٌ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا تَزَايَدَ التَّحَرُّكُ عِنْدَهُ فَإِذَا وَصَلَ لِـ {مالك يوم الدين} وهو خاتمة الصافات الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَالِكُ الْأَمْرِ يَوْمَ الْجَزَاءِ فَيَتَأَهَّبُ قُرْبَهُ وَتَيَقَّنَ الْإِقْبَالُ عَلَيْهِ بِتَخْصِيصِهِ بِغَايَةِ الْخُضُوعِ وَالِاسْتِعَانَةِ فِي الْمُهِمَّاتِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015