الثَّالِثُ: تَغْلِيبُ الْعَاقِلِ عَلَى غَيْرِهِ.

بِأَنْ يَتَقَدَّمَ لَفْظٌ يَعُمُّ مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ فَيُطْلَقُ اللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ بِالْعَاقِلِ عَلَى الْجَمِيعِ كَمَا تَقُولُ: "خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ وَالْأَنْعَامَ وَرَزَقَهُمْ"، فَإِنَّ لَفْظَ [هُمْ] مُخْتَصٌّ بِالْعُقَلَاءِ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {والله خلق كل دابة من ماء} لَمَّا تَقَدَّمَ لَفْظُ الدَّابَّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا عُمُومُ مَنْ يَعْقِلُ وَمَنْ لَا يَعْقِلُ غُلِّبَ مَنْ يعقل فقال: {فمنهم من يمشي} .

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا صَحِيحٌ فِي {فَمِنْهُمْ] لِأَنَّهُ لِمَنْ يَعْقِلُ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى الْجَمِيعِ فَلِمَ قَالَ: [مَنْ] وَهُوَ لَا يَقَعُ عَلَى الْعَامِّ بَلْ خَاصٌّ بِالْعَاقِلِ؟.

قُلْتُ: [مَنْ] هُنَا بَعْضُ [هُمْ] وَهُوَ ضَمِيرُ مَنْ يَعْقِلُ.

فَإِنْ قُلْتَ: فَكَيْفَ يَقَعُ عَلَى بَعْضِهِ لَفْظُ مَا لَا يَعْقِلُ؟.

قُلْتُ: مَنْ هُنَا قَالَ أَبُو عُثْمَانَ: إِنَّهُ تَغْلِيبٌ مِنْ غَيْرِ عُمُومِ لَفْظٍ مُتَقَدِّمٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ رَأَيْتُ ثَلَاثَةً زَيْدًا وعمرا وحمارا.

وقال ابن الصائغ: [هُمْ] لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْقِلُ فَلَمَّا أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ غَلَّبَ من يعقل فقال: [هم] ومن بَعْضُ هَذَا الضَّمِيرِ وَهُوَ لِلْعَاقِلِ فَلَزِمَ أَنْ يقول [من] فلما قال: بوقوع التَّغْلِيبِ فِي الضَّمِيرِ صَارَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَاقِلِينَ فَتَمَّمَ ذَلِكَ بِأَنْ أَوْقَعَ [مَنْ] .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ: {قالتا أتينا طائعين} ، إِنَّمَا جَمَعَهُمَا جَمْعَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015