عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ لِأَنَّهُ كَانَ شَيْخًا فَجَاءَ بِمِجْمَرَةٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَلِيٍّ اسْتَجْمِرْ فَإِنَّمَا أَنْتَ مِنَ النِّسَاءِ فَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ ما جئت به ثم تجهز.
ونازعهم بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: يحتمل ألا يكون [مِنْ] لِلتَّبْعِيضِ بَلْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ كَانَتْ نَاشِئَةً مِنَ الْقَوْمِ الْقَانِتِينَ لِأَنَّهَا مِنْ أَعْقَابِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
الثَّانِي: تَغْلِيبُ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَالْمُخَاطَبِ عَلَى الْغَائِبِ.
فَيُقَالُ: أَنَا وَزَيْدٌ فَعَلْنَا وَأَنْتَ وَزَيْدٌ تَفْعَلَانِ وَمِنْهُ قوله تعالى: {بل أنتم قوم تجهلون} بِتَاءِ الْخِطَابِ غَلَّبَ جَانِبَ [أَنْتُمْ] عَلَى جَانِبِ [قوم] والقياس أن يجيء بالياء لأنه وصف القوم وقوم اسْمُ غَيْبَةٍ وَلَكِنْ حَسُنَ آخِرُ الْخِطَابِ وَصْفًا لِ قَوْمٌ لِوُقُوعِهِ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ. قال ابن الشجري.
ولو قيل: إنه حالل لـ {فتلك بيوتهم خاوية} لن في الضمير الْخِطَابِ مَعْنَى الْإِشَارَةِ لِمُلَازَمَتِهِ لَهَا أَوْ لِمَعْنَاهَا لَكَانَ مُتَّجِهًا وَإِنْ لَمْ تُسَاعِدْهُ الصِّنَاعَةُ لَكِنْ يُبْعِدُهُ أَنَّ الْمُرَادَ وَصْفُهُمْ بِجَهْلٍ مُسْتَمِرٍّ لَا مَخْصُوصٍ بِحَالِ الْخِطَابِ وَلَمْ يَقُلْ: [جَاهِلُونَ] إِيذَانًا بِأَنَّهُمْ يَتَجَدَّدُونَ عِنْدَ كُلِّ مُصِيبَةٍ لِطَلَبِ آيَاتِ جَهْلِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو الْبَرَكَاتِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَلَوْ قيل: إنما قال: [تجهلون] بِالتَّاءِ – لِأَنَّ [قَوْمٌ] هُوَ [أَنْتُمْ] فِي الْمَعْنَى فَلِذَلِكَ، قَالَ: [تَجْهَلُونَ] حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى - لَكَانَ حَسَنًا وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ:
*أَنَا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حيدره*