لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَلْبِ الْأَعْلَى سَلْبُ مَا دُونَهُ كَمَا تَقُولُ لَيْسَ زَيْدٌ بِسُلْطَانٍ وَلَا وَزِيرٍ وَلَا أَمِيرٍ وَلَا وَالٍ وَالْغَرَضُ مِنَ الْآيَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي الذَّمِّ.

قُلْتُ: مَا ذَكَرْتَهُ طَرِيقٌ حَسَنَةٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْآيَةِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ أَنَّ الْأَصْنَامَ الَّتِي تَعْبُدُهَا الْكُفَّارُ أَمْثَالُ الْكُفَّارِ فِي أَنَّهَا مَقْهُورَةٌ مَرْبُوبَةٌ ثُمَّ حَطَّهَا عَنْ دَرَجَةِ الْمِثْلِيَّةِ بِنَفْيِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لِلْكُفَّارِ عَنْهَا. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَ الذَّوَاتِ الْمُتَنَائِيَةِ إِنَّمَا تَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا إِذْ هِيَ أَسْبَابٌ فِي ثُبُوتِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهَا وَتَقْوَى الْمُمَاثَلَةُ بِقُوَّةِ أَسْبَابِهَا وَتَضْعُفُ بِضَعْفِهَا فَإِذَا سُلِبَ وَصْفٌ ثَابِتٌ لِإِحْدَى الذَّاتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى انْتَفَى وَجْهٌ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا ثُمَّ إِذَا سُلِبَ وَصْفٌ مِنَ الْأَوَّلِ انْتَفَى وَجْهٌ مِنَ الْمُمَاثَلَةِ أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَسْلُبُ أَسْبَابَ الْمُمَاثَلَةِ أَقْوَاهَا فَأَقْوَاهَا حَتَّى تَنْتَفِيَ الْمُمَاثَلَةُ كُلُّهَا بِهَذَا التَّدْرِيجِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَلْطَفُ مِنْ سَلْبِ أَسْبَابِ الْمُمَاثَلَةِ أَقْوَاهَا ثُمَّ أَضْعَفِهَا فَأَضْعَفِهَا.

الثَّامِنَ عَشَرَ: مُرَاعَاةُ الْإِفْرَادِ.

فَإِنَّ الْمُفْرَدَ سَابِقٌ عَلَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْمَالُ والبنون} ، وقوله: {من مال وبنين} وَلِهَذَا لَمَّا عُبِّرَ عَنِ الْمَالِ بِالْجَمْعِ أُخِّرَ عَنِ الْبَنِينَ فِي قَوْلِهِ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذهب والفضة} .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015