وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {وَيَقْتُلُونَ النبيين بغير الحق} 1 وفي سورة آل عمران {بغير حق} وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْجُمْلَةَ فِي آلِ عِمْرَانَ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الشَّرْطِ وَهُوَ عَامٌّ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ حَتَّى يَكُونَ عَامًّا وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ جَاءَ عَنْ أُنَاسٍ مَعْهُودِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق} فَنَاسَبَ أَنْ يُؤْتَى بِالتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ يُسْتَبَاحُ بِهِ قَتْلُ الْأَنْفُسِ عِنْدَهُمْ كَانَ مَعْرُوفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} فَالْحَقُّ هُنَا الَّذِي تُقْتَلُ بِهِ الْأَنْفُسُ مَعْهُودٌ مَعْرُوفٌ بِخِلَافِ مَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ
ومنه قوله تعالى في هُودٍ حَاكِيًا عَنْ شُعَيْبٍ {وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون} وَأَمَرَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ لِقُرَيْشٍ {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تعلمون}
ويمكن أن يقال لما كررت مراجعته لقوم نَاسَبَ اخْتِصَاصَ قِصَّتِهِ بِالِاسْتِئْنَافِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ فِي الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ مُدَّةُ إِنْذَارِهِ لِقَوْمِهِ قَصِيرَةً فَعَقَّبَ عَمَلَهُمْ عَلَى مُكَافَأَتِهِمْ بِوَعِيدِهِمْ بِالْفَاءِ إِشَارَةً إِلَى قُرْبِ نُزُولِ الْوَعِيدِ لَهُمْ بِخِلَافِ شُعَيْبٍ فَإِنَّهُ طَالَتْ مُدَّتُهُ فِي قَوْمِهِ فَاسْتَأْنَفَ لَهُمْ ذِكْرَ الْوَعِيدِ
وَلَعَلَّ قَوْمَ شُعَيْبٍ سَأَلُوهُ السُّؤَالَ الْمُتَقَدِّمَ فَأَجَابَهُمْ بِهَذَا الْجَوَابِ وَالْفَاءُ لَا تَحْسُنُ فِيهِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ وَلَا يَحْسُنُ مَعَهُ الْحَذْفُ
وَمِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أليم}