الْجِنَّ شُرَكَاءَ لِلَّهِ" تَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ شَأْنَ اللَّهِ أَعْظَمُ فِي النُّفُوسِ فَإِذَا قُدِّمَ "لِلَّهِ" وَالْكَلَامُ فِيهِ يَسْتَدْعِي طَلَبَ الْمَجْعُولِ لَهُ مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: شُرَكَاءُ وَقَعَ فِي غَايَةِ التَّشْنِيعِ لِأَنَّ النَّفْسَ مُنْتَظِرَةٌ لِهَذَا الْمُهِمِّ الْمُعَلَّقِ بِهَذَا الْمُعَظَّمِ نِهَايَةَ التَّعْظِيمِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ عُلِّقَ بِهِ هَذَا الْمُسْتَبْشَعُ فِي النِّهَايَةِ كَانَ أَعْظَمَ مَوْقِعًا مِنَ الْعَكْسِ لِأَنَّهُ إِذَا قِيلَ: وَجَعَلُوا شُرَكَاءَ لَمْ يُعْطِهِ تَشَوُّفَ النُّفُوسِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ: جَعَلُوا شُرَكَاءَ فِي أَمْوَالِهِمْ وَصَدَقَاتِهِمْ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْجَعْلَ غَالِبًا لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّهِ وَيُخْبَرُ بِهِ إِلَّا وَهُوَ جَعْلٌ مُسْتَقْبَحٌ كَاذِبٌ إِذْ لَا يُسْتَعْمَلُ جَعَلَ اللَّهُ رَحْمَةً وَمَشِيئَةً وَعِلْمًا وَنَحْوَهُ لَا سِيَّمَا بِالِاسْتِقْرَاءِ الْقُرْآنِيِّ كَـ {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ} {ويجعلون لله ما يكرهون} إلى غير ذلك.

الرابع: أن أصل الجعل وإن جاز وإسناده إِلَى اللَّهِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْأَمْرُ لَائِقًا فَإِنَّ بَابَهُ مَهُولٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلَّمَنَا عَظِيمَ خَطَرِهِ وَأَلَّا نَقُولَ فِيهِ إِلَّا بِالْعِلْمِ كَقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، مَعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْأَدَبُ عَقْلًا وَكَانَ نَفْسُ الْجَعْلِ مُسْتَنْكَرًا إِنْ لَمْ يُتْبَعْ بِمَجْعُولٍ لَائِقٍ فَإِذَا أُتْبِعَ بِمَجْعُولٍ غَيْرِ لَائِقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ فُسِّرَ بِخَاصٍّ مُسْتَنْكَرٍ صار قوله: {وجعلوا لله شركاء الجن} فِي قُوَّةِ إِنْكَارِ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْأَوَّلُ جَسَارَتُهُمْ فِي أَصْلِ الْجَعْلِ الثَّانِي فِي كَوْنِ الْمَجْعُولِ شُرَكَاءَ الثَّالِثُ فِي أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ جِنٍّ.

الْخَامِسُ: أَنَّ فِي تَقْدِيمِ "لِلَّهِ" إِفَادَةَ تَخْصِيصِهِمْ إِيَّاهُ بِالشَّرِكَةِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ دُونَ جَمِيعِ مَا يَعْبُدُونَ لِأَنَّهُ الْإِلَهُ الْحَقُّ.

السَّادِسُ: أَنَّهُ جِيءَ بِكَلِمَةِ "جَعَلُوا" لَا "اعْتَقَدُوا" وَلَا "قَالُوا" لِأَنَّهُ أَدَلُّ عَلَى إِثْبَاتِ الْمُعْتَقَدِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَلْقِ وَالْإِبْدَاعِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015