وَحَكَاهُ أَبُو عَمْرٍو الزَّاهِدُ فِي الْيَاقُوتَةِ عَنْ ثَعْلَبٍ وَالْمُبَرِّدِ وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْآيَةَ مَا سِيقَتْ لِتَفْضِيلِ الْقُرْآنِ بَلْ سِيقَتْ فِي مَعْرِضِ ذم الكفار بدليل قوله قبلها: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} ، وبعدها: {أفلم ييأس الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى الناس جميعا} فَلَوْ قُدِّرَ الْخَبَرُ [لَمَا آمَنُوا بِهِ] لَكَانَ أَشَدَّ.
وَنَقَلَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي كِتَابِ [رُءُوسِ الْمَسَائِلِ] كَوْنَ الْجَوَابِ [كَانَ هَذَا الْقُرْآنَ] عَنِ الْأَكْثَرِينَ. وَفِيهِ مَا ذَكَرْتُ.
وَقِيلَ: تَقْدِيرُهُ: لَوْ قَضَيْتُ أَنَّهُ لَا يُقْرَأُ الْقُرْآنُ عَلَى الْجِبَالِ إِلَّا سَارَتْ وَرَأَوْا ذَلِكَ لَمَا آمَنُوا.
وَقِيلَ: جَوَابُ [لَوْ] مُقَدَّمٌ مَعْنَاهُ: يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ وَهَذَا قَوْلُ الْفَرَّاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله} ، مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ: لَنَفِدَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَمَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ [مَا نَفِدَتْ] هو الجواب مبالغة في نفي النفاد لأنه إذا كان نفي النقاد لَازِمًا عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامًا وَالْبَحْرُ مَدَادًا لَكَانَ لُزُومُهَا عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا أَوْلَى.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أن يضلوك} .