وَأَوْضَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يكسبون} جَعَلَ انْتِفَاءَ الْمَلْزُومِ سَبَبًا لِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ لِأَنَّ كَذَّبُوا مَلْزُومُ عَدَمِ الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى فَأَخَذَهُمْ بِذَلِكَ مَلْزُومُ عَدَمِ فَتْحِ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَيْهِمْ. وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: {فَأَخَذْنَاهُمْ} لِلسَّبَبِيَّةِ وَجَعَلَ التَّكْذِيبَ سَبَبًا لِأَخْذِهِمْ بِكُفْرِهِمْ وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَوَادِّ وَوُقُوعِ الْأَفْرَادِ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْخَبَّازِ وَأَمَّا مَا جَاءَ عَلَى خِلَافِهِ فَذَلِكَ مِنْ خُصُوصِ الْمَادَّةِ وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ فِي الْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّا نَقُولُ: الْمُوجَبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً مَعَ أَنَّهَا تَنْعَكِسُ كُلِّيَّةً فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ كَقَوْلِنَا كُلُّ إِنْسَانٍ نَاطِقٌ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ مُبْطِلًا للقاعدة.
تنبيهان.
التنبيه الأول: متى يذكر مفعول المشيئة والإرادة؟.
يُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:.
أَحَدُهَا: مَا إِذَا كَانَ مَفْعُولُ الْمَشِيئَةِ عَظِيمًا أَوْ غَرِيبًا فَإِنَّهُ لَا يُحْذَفُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ} الْآيَةَ. أَرَادَ رَدَّ قَوْلِ الْكُفَّارِ: [اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا] بِمَا يُطَابِقُهُ فِي اللَّفْظِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الرَّدِّ لِأَنَّهُ لَوْ حَذَفَهُ فَقَالَ: [لَوْ أَرَادَ اللَّهُ لَاصْطَفَى] لَمْ يَظْهَرِ الْمَعْنَى الْمُرَادُ لَأَنَّ الِاصْطِفَاءَ قَدْ لَا يَكُونُ بِمَعْنَى التَّبَنِّي وَلَوْ قَالَ: لَوْ أَرَادَ اللَّهُ لَاتَّخَذَ وَلَدًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ. مَا فِي إِظْهَارِهِ مِنْ تَعْظِيمِ جُرْمِ قَائِلِهِ.
ومثله صَاحِبُ كِتَابِ [الْقَوْلِ الْوَجِيزِ فِي اسْتِنْبَاطِ عِلْمِ الْبَيَانِ مِنَ الْكِتَابِ.