وقوله: {والذين يؤمنون بما أنزل إليك} قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَشَّافِهِ الْقَدِيمِ: هَذَا أَدَلُّ عَلَى كِبْرِيَاءِ الْمُنَزَّلِ وَجَلَالَةِ شَأْنِهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ [أَنْزَلَ] مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ كَمَا تَقُولُ الْمَلِكُ أَمَرَ بِكَذَا وَرَسَمَ بِكَذَا وَخَاصَّةً إِذَا كَانَ الْفِعْلُ فِعْلًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّهُ كقوله: {وقضي الأمر} قَالَ: كَأَنَّ طَيَّ ذِكْرِ الْفَاعِلِ كَالْوَاجِبِ لِأَمْرَيْنِ:.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ إِنْ تَعَيَّنَ الْفَاعِلُ وَعُلِمَ أَنَّ الْفِعْلَ مِمَّا لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا هُوَ وَحْدَهُ كَانَ ذِكْرُهُ فَضْلًا وَلَغْوًا.
وَالثَّانِي: الْإِيذَانُ بِأَنَّهُ مِنْهُ غَيْرُ مُشَارِكٍ وَلَا مُدَافِعٍ عَنِ الِاسْتِئْثَارِ بِهِ وَالتَّفَرُّدِ بِإِيجَادِهِ وَأَيْضًا فَمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَصِيرِ أَنَّ اسْمَهُ جَدِيرٌ بِأَنْ يُصَانَ وَيُرْتَفَعُ بِهِ عَنِ الِابْتِذَالِ وَالِامْتِهَانِ وَعَنِ الْحَسَنِ لَوْلَا أَنِّي مَأْذُونٌ لِي فِي ذِكْرِ اسْمِهِ لَرَبَأْتُ بِهِ عَنْ مَسْلَكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
وَمِنْهَا: مُنَاسَبَةُ الْفَوَاصِلِ، نَحْوَ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نعمة تجزى} وَلَمْ يَقُلْ يَجْزِيهَا.
وَمِنْهَا: مُنَاسَبَةُ مَا تَقَدَّمَهُ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يفقهون} ، لأن قبلها: {وإذا أنزلت سورة} عَلَى بِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ فَجَاءَ قَوْلُهُ: {وَطُبِعَ} لِيُنَاسِبَ بِالْخِتَامِ الْمَطْلَعَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِيمَا بَعْدَهَا: {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ قَبْلَهَا مَا يَقْتَضِي الْبِنَاءَ فَجَاءَتْ عَلَى الْأَصْلِ.