فَيَذْكُرُونَ قَبْلَهُ مَا هُوَ سَبَبٌ مِنْهُ ثُمَّ يَعْطِفُونَهُ عَلَيْهِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِهِ وَلَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ إِلَى الْأَوَّلِ كَقَوْلِهِ سَرَّنِي زَيْدٌ وَحُسْنُ حاله والمواد حسن ماله وَفَائِدَةُ هَذَا الدَّلَالَةُ عَلَى قُوَّةِ الِاخْتِصَاصِ بِذِكْرِ الْمَعْنَى وَرَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَيَدُلَّ عليه ما تقدمه من قوله: {والذين يؤذون رسول الله} ، وَلِهَذَا وَحَّدَ الضَّمِيرَ وَلَمْ يُثَنِّ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تعالى: {يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عنه} .

وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} ،فَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْمَذْكُورِينَ وَقِيلَ أَعَادَهُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الِاسْتِعَانَةُ الْمَفْهُومَةُ مِنَ استعينوا.

وقيل: المعنى على التثنيةوحذف مِنَ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} ،وَهُوَ نَظِيرُ آيَةِ الْجُمُعَةِ كَمَا سَبَقَ.

وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ لَطِيفَتَانِ: وَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ لَمَّا اقْتَضَى إِعَادَةَ الضَّمِيرِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَعَادَهُ فِي آيَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى التِّجَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ وَمُؤَنَّثَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهَا أَجْذَبُ لِلْقُلُوبِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ مِنَ اللَّهْوِ لِأَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِالتِّجَارَةِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُشْتَغِلِينَ بِاللَّهْوِ أَوْ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ نَفْعًا مِنَ اللَّهْوِ أَوْ لِأَنَّهَا كانت أصلا واللهو تبعا لأنه ضرب بالطبل لِقُدُومِهِ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ:" أَقْبَلَتْ عِيرٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ "،وَأَعَادَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَمَنْ يكسب خطيئة أو إثما} عَلَى الْإِثْمِ رِعَايَةً لِمَرْتَبَةِ الْقُرْبِ وَالتَّذْكِيرِ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} أَيْ بذلك القول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015