مِنْ نَاصِبٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا نَحْوَ: أَهْلًا وَسَهْلًا وَمَرْحَبًا أَيْ وُجِدْتَ أَهْلًا وَسَلَكْتَ سَهْلًا وَصَادَفْتَ رَحْبًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لله} عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الذي تساءلون به والأرحام} وَالتَّقْدِيرُ: احْمِدُوا الْحَمْدَ وَاحْفَظُوا الْأَرْحَامَ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تعالى: {ومن أحسن من الله صبغة} . {ملة أبيكم إبراهيم} .
وَالْحَالِيَّةُ قَدْ تَحْصُلُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى الْمَعْنَى والنظر وَالْعِلْمِ، فَإِنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِمَحْذُوفٍ وَهَذَا يَكُونُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ النَّظْمِ الْأَوَّلِ لِزِيَادَةِ عمومه كما في قوله فُلَانٌ يَحُلُّ وَيَرْبِطُ أَيْ يَحُلُّ الْأُمُورَ وَيَرْبِطُهَا أَيْ ذُو تَصَرُّفٍ.
وَقَدْ تَدُلُّ الصِّنَاعَةُ النَّحْوِيَّةُ عَلَى التَّقْدِيرِ، كَقَوْلِهِمْ فِي: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} :إِنَّ التَّقْدِيرَ لَأَنَا أُقْسِمُ لِأَنَّ فِعْلَ الحال لا يقسم عليه. وقوله تعالى: {تفتأ تذكر يُوسُفَ} التَّقْدِيرُ لَا تَفْتَأُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَوَابُ مُثْبَتًا لَدَخَلَتِ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ: {بَلَى وربي لتبعثن} .
وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ دَلِيلٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ هُنَا أَدِلَّةٌ يَتَعَدَّدُ التَّقْدِيرُ بِحَسَبِهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنا} فإنه يحتمل ثَلَاثَةِ أُمُورٍ أَحَدُهَا كَمَنْ لَمْ يُزَيَّنْ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَالْمَعْنَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ.