فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حكيم} فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ فِي أَوَّلِ النَّظَرِ أَنَّ الْفَاصِلَةَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُنَاسِبَةٌ لِلتَّوْبَةِ وَخُصُوصًا مِنْ هَذَا الذَّنْبِ الْعَظِيمِ وَلَكِنَّ هَاهُنَا مَعْنًى دَقِيقٌ مِنْ أَجْلِهِ قَالَ: {حَكِيمٌ} وَهُوَ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى فَائِدَةِ مَشْرُوعِيَّةِ اللِّعَانِ وَهِيَ السَّتْرُ عَنْ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ الْعَظِيمَةِ وَذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الْحِكَمِ فَلِهَذَا كَانَ حَكِيمٌ بَلِيغًا فِي هَذَا الْمَقَامِ دُونَ رَحِيمٌ

وَمِنْ خَفِيِّ هَذَا الضَّرْبِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شيء عليم}

وَقَوْلُهُ فِي آلِ عِمْرَانَ: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ والله على كل شيء قدير} فَإِنَّ الْمُتَبَادِرَ إِلَى الذِّهْنِ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ الْخَتْمُ بِالْقُدْرَةِ وَفِي آيَةِ آلِ عِمْرَانَ الْخَتْمُ بالعلم لكن إذا أمعن النَّظَرُ عُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ التِّلَاوَةُ فِي الْآيَتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْخِطَابِ ذُو عُقُوبَةٍ شَدِيدَةٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ نَفْيًا لِلِاغْتِرَارِ بِسَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِرَاءِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ وَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّهْدِيدِ وَمَعْنَاهُ لَا تَغْتَرُّوا بِسَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الِاجْتِرَاءِ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَذَابَهُ عَنْكُمْ

وَقَرِيبٌ مِنْهُ: {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحمن لا يملكون منه خطابا}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015