وَقَدْ يَخْرُجُ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأَعْظَمِ الأكبر للبمالغة وَهُوَ مَجَازٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صفا صفا} ،فَجَعَلَ مَجِيءَ جَلَائِلِ آيَاتِهِ مَجِيئًا لَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ.
وَكَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فوفاه حسابه} ، فَجَعَلَ نَقْلَهُ بِالْهَلَكَةِ مِنْ دَارِ الْعَمَلِ إِلَى دَارِ الْجَزَاءِ وُجْدَانًا لِلْمَجَازِيِّ.
وَمِنْهُ مَا جَرَى مَجْرَى الْحَقِيقَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يذهب بالأبصار} ،فَإِنَّ اقْتِرَانَ هَذِهِ بِ يَكَادُ صَرْفُهَا إِلَى الْحَقِيقَةِ فَانْقَلَبَ مِنَ الِامْتِنَاعِ إِلَى الْإِمْكَانِ.
وَقَدْ تجيء المبالغة مدمج كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بالنهار} ، فَإِنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُدْمَجَةٌ فِي الْمُقَابَلَةِ وَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ لَا إِلَى الْمُخَاطِبِ مَعْنَاهُ أَنَّ عِلْمَ ذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ عِنْدَكُمْ وَإِلَّا فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِمُبَالَغَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي} الْآيَةَ، فَقِيلَ: سَبَبُهَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَهُ: كَيْفَ عَنَّفَنَا بِهَذَا الْقَوْلِ: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ العلم إلا قليلا} ،وَنَحْنُ قَدْ أُوتِينَا التَّوْرَاةَ وَفِيهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْكَامُهُ وَنُورٌ وَهُدًى! فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " التَّوْرَاةُ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ " وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.