{وأحل لكم ما وراء ذلكم} عُلِمَ مِنْ مَجْمُوعِ ذَلِكَ أَنْ الرَّبِيبَةَ لَا تَحْرُمُ إِذَا لَمْ يُدْخَلْ بِأُمِّهَا، فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فلا جناح عليكم} ؟ .

قِيلَ: فَائِدَتُهُ: أَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ قَيْدَ الدُّخُولِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا مَخْرَجَ الشَّرْطِ كَمَا فِي الْحِجْرِ الْمَفْهُومِ إِذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا تَقْيِيدَ فِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْعِرَاقِيِّ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُجَّةً بِلَا خِلَافٍ إِذَا لَمْ تَغْلِبْ لِأَنَّ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ غَالِبَةً دَلَّتِ الْعَادَةُ عَلَيْهَا فَاسْتَغْنَى الْمُتَكَلِّمُ بِالْعَادَةِ عَنْ ذِكْرِهَا فَلَمَّا ذَكَرَهَا مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدِ الْإِخْبَارَ بِوُقُوعِهَا لِلْحَقِيقَةِ بَلْ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا نَفْيُ الْحُكْمِ مِنَ الْمَسْكُوتِ أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ غَالِبَةً أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ: إِنَّمَا ذَكَرَهَا لِيَعْرِفَ السَّامِعُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ تَعْرِضُ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أولادكم خشية إملاق} .

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فرهان مقبوضة} ، وَجَوَّزُوا أَنَّ الرَّهْنَ لَا يُخْتَصُّ بِالسَّفَرِ لَكِنْ ذُكِرَ لِأَنَّ فَقْدَ الْكَاتِبِ يَكُونُ فِيهِ غَالِبًا فَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ مَظِنَّةَ إِعْوَازِ الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ الْمَوْثُوقِ بِهِمَا أَمَرَ عَلَى سَبِيلِ الْإِرْشَادِ بِحِفْظِ مَالِ الْمُسَافِرِينَ بِأَخْذِ الْوَثِيقَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ الرَّهْنُ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إن خفتم} ، وَالْقَصْرُ جَائِزٌ مَعَ أَمْنِ السَّفَرِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لَا الشَّرْطِ وَغَالِبُ أَسْفَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لَمْ تَخْلُ مِنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ.

وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ الْخَوْفَ هُنَا شَرْطًا إِنْ حُمِلَ الْقَصْرُ عَلَى تَرْكِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالنُّزُولِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015