وَفِي كَلَامِ ابْنِ جَرِيرٍ مَا يُفْهِمُ حِكَايَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَنَصَرَهُ السُّهَيْلِيُّ بِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لَفْظِ التَّنْبِيهِ وَالتَّنْبِيهُ تَضْعِيفٌ وَكَأَنَّ الْبِنَاءَ تَضَاعَفَتْ فِيهِ الصِّفَةُ
وَقَالَ قُطْرُبٌ: الْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا جُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي الْآيَةِ لِلتَّوْكِيدِ
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ فَوْرَكٍ قَالَ وَلَيْسَ قَوْلُ مَنْ زعم أن رحيما أبلغ من رحمن يجيد إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمُبَالَغَةِ وَلَوْ قِيلَ فَعْلَانٌ أَشَدُّ مُبَالَغَةً كَانَ أَوْلَى وَلِهَذَا خُصَّ بِاللَّهِ فَلَا يُوصَفُ بِهِ غَيْرُهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: الرَّحْمَنُ اسْمٌ مَمْنُوعٌ وَأَرَادَ بِهِ مَنْعَ الْخَلْقِ أَنْ يَتَّسِمُوا بِهِ وَلَا وَجْهَ لِهَذَا الْكَلَامِ إِلَّا التَّوْكِيدُ وَإِتْبَاعُ الْأَوَّلِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الثَّانِي
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ
وَعَنِ الْخَطَّابِيِّ اسْتِشْكَالُ هَذَا وَقَالَ لَعَلَّهُ أَرْفَقُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ"
وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الزَّاهِرِ: الرَّحِيمُ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحْمَنِ
وَرَجَّحَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ الرَّحْمَنَ جَاءَ مُتَقَدِّمًا عَلَى الرَّحِيمِ وَلَوْ كَانَ أَبْلَغُ لَكَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ لِأَنَّهُمْ فِي كَلَامِهِمْ إِنَّمَا يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى فَيَقُولُونَ فقيه عالم وشجاع باسل وجواد فياض ولا يَعْكِسُونَ هَذَا لِفَسَادِ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ الْأَبْلَغُ لَكَانَ الثَّانِي دَاخِلًا تَحْتَهُ فَلَمْ يَكُنْ لذكره معنى
وهذا قدر ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِرْدَافِ وَأَنَّهُ أَرْدَفَ الرَّحْمَنَ الَّذِي يَتَنَاوَلُ جَلَائِلَ النِّعَمِ وَأُصُولَهَا بِالرَّحِيمِ لِيَكُونَ كَالتَّتِمَّةِ وَالرَّدِيفِ لِيَتَنَاوَلَ مارق منها ولطف