قد ذكر الأصوليون أن في الألفاظ ما هو عرفي وللعرف احتكام فيه ووجه احتكام العرف فيه يحصره شيئان أحدهما أن تعم استعارته عموما يستنكر معها استعمال الحقيقة وهذا كقول القائل: الخمر محرمة وهذا مستعار متجوز فإن الخمر لا تكون مرتبط التكليف وإنما يتعلق التكليف بأحكام أفعال المكلفين فالمحرم إذا شرب الخمر وتعاطيها ولو قال قائل: ليست الخمر محرمة لكان قائلا هجرا ويكثر تطاير ذلك في اللسان والشرع فهذا أحد الوجهين.
والثاني: يخصص العرف أسماء ببعض المسميات ووضع الاسم يقتضي ألا يختص وهذا كالدابة فإنها مأخوذة من دب يدب وهو مبني بناء فاعل على قياس مطرد في أسماء الفاعلين ثم يقال فلان دب ولا يسمى دابة إلا بعض البهائم والحشرات كالحيات ونحوها.
فإذا تبين هذا بنينا عليه غرضنا وقلنا الدعاء التماس وأفعال المصلي أحوال يخضع فيها لربه عز وجل ويبغى بها التماسا فعمم الشرع عرفا في تسمية تلك الأفعال دعاء تجوزا واستعارة وخصص اسم الصلاة بدعاء مخصوص فلا تخلو الألفاظ الشرعية عن هذين الوجهين وهما متلقيان من عرف الشرع فمن قال إن الشرع زاد في مقتضاها وأراد هذا فقد أصاب الحق وإن أراد غيره فالحق ما ذكرناه ومن قال إنها نقلت نقلا كليا فقد زل فإن في الألفاظ الشرعية اعتبار معاني اللغة في الدعاء والقصد والإمساك في الصلاة والصوم والحج فهذا حاصل هذه المسألة.