اختلافهم في ضروري ثم إذا ظهر النزاع وبطل دعوى الضرورة في الأصل بطل النظر المستند إليه فإن قيل أنتم توافقوننا في تقبيح ما نقبحه وتحسين ما نحسنه ولكنكم تنسبون ذلك إلى السمع فيئول الخلاف إلى المأخذ وليس ذلك بدعا قلنا نحن نريكم من أصلنا تحسين ما تقبحونه ادعاء منكم وذلك أنا نقول إيلام البهائم والأطفال لا أعواض لها وليس مترتبا على استحقاق سابق حسن والإيلام على هذا الوجه قبيح بضرورة العقل عندكم.
والمسلك الثاني للقاضي: أنه قال: نرى كذبة تنجى أمما والكف عنها 1ذريعة إلى هلاكهم فما وجه قبحها؟ ومعتمدكم الرجوع إلى [تعاقل] العقلاء فلئن جاز لكم تحسين ألم لنفع يبر قدره عليه فما المانع من مثل ذلك في الكذب؟ وهذا لا جواب عنه حتى استجرأ بعض المتأخرين وشبب2 بتحسين الكذب في الصورة المفروضة فقيل له فجوز أن يخلق الله تعالى عن قول المبطلين كذبا نافعا يكون كاذبا به والكذب عندهم من صفات الفعل إذ هو من أقسام الكلام فتبلد ولم يحر جوابا.
12- والمسلك الحق عندي في ذلك الجامع لمحاسن المذاهب الناقض لمساويها أن نقول لسنا ننكر أن العقول تقتضي من أربابها اجتناب المهالك وابتدار المنافع الممكنة على تفاصيل فيها وجحد3 هذا خروج عن المعقول [ولكن ذلك في حق الآدميين] . [والكلام في مسألتنا مداره] على ما يقبح ويحسن في حكم الله تعالى وإن كان لا ينالنا منه ضرر ولا يفوتنا بسببه نفع لا يرخص العقل في تركه وما كان كذلك فمدرك قبحه وحسنه من عقاب الله تعالى إيانا وإحسان إلينا عند أفعالنا وذلك غيب والرب سبحانه وتعالى: لا يتأثر بضررنا ونفعنا فاستحال والأمر كذلك الحكم بقبح الشيء في حكم الله تعالى وحسنه ولم يمتنع إجراء هذين الوصفين فينا إذا تنجز ضرر أو أمكن نفع بشرط أن لا يعزى إلى الله ولا يوجب عليه أن يعاقب أو يثيب.
وتتمة القول فيه أنه لو فرض ورود الأمر الجازم من الله سبحانه وتعالى: من غير وعيد على تركه لما كان للحكم بالوجوب معنى معقول في حقوقنا.