على الفقيه ويستحيل أن تختلف الأحكام في الشيء الواحد فإن ما يطرده هذا القائل في التحريم بالحيض والإحرام والعدة والردة ويزعم أنها أحكام فإذا زالت علة منها زال حكمها بزوالها وإنما الثابت حكم آخر وإن اتسم بسمة التحريم فدخول المختلفات تحت صفة واحدة عامة لا يوجب اتحادها.
وإذا ألزم هؤلاء الأدلة العقلية قالوا مجيبين: الفعل يدل على الفاعل وعدمه يشعر بانتفاء الفاعلية فإن الفاعلية هي وقوع الفعل على الحقيقة.
وأما الإحكام فلا حقيقة له والمثبج في حال تثبيجه محكم على معنى وقوعه على حسب مراد الموقع وبسط القول في هذا لا يحتمله هذا الفن وإذا خضنا في بيان المختار في ذلك عدنا إلى الأدلة العقلية عودة أخرى إن شاء الله تعالى.
808- ومما يتعلق به من لا يشترط العكس أن يقول: انتفاء التحريم ورفع الحرج من الأحكام فإذا تعلق التحريم بعلم لم يجب أن ينتصب عدمه علما [لحكم] آخر ومن التزم نصب شيء علما لم يلزمه أن ينصب علما في نقيضه.
وهذا وإن كان مخيلا فلا تحصيل له فإن الانعكاس معناه انتفاء الحكم وانتفاء الحكم ليس حكما وقد ذكرنا فيما قدمنا أن الحل في التحقيق إن كان بمعنى رفع الحرج فليس بحكم وإن كان المعنى به أنه مخبر عنه في معنى حكم الحل فهو في هذا الحكم ملحق بالشرع على معنى أنه لم يتصل بالعقلاء قبل ورود الشرع خبر من له الأمر وإلا فالحرج منتف قبل ورود الشرع وقياس التحريم [أن يثبت التحريم ثم أصل] انعكاسه انتفاء التحريم لا ثبوت حكم آخر مناقض للتحريم فقد وهت هذه الطريقة.
809- ومما تمسك بن بعض من نفى اشتراط الانعكاس ما قدمناه في أدراج [الكلام] من الأدلة العقلية فإنها إذا دلت بوجودها على مدلول لم يدل عدمها على عدمه ولا يخطر لم يعد نفسه حبرا في الأصول تفص عن هذا فإن الدليل العقلي مشعر بالمدلول قطعا والأمارة الظنية مشعرة بالمظنون ظنا ولو لم يشعر الدليل القاطع بمدلوله لم يكن دليلا عليه ولا شك أن إشهار القاطع بمتعلقه فوق إشعار الأمارة بالمظنون فإذا قوى الإشعار في الطرد كان اقتضاؤه الانعكاس أظهر ومع ذلك لم ينعكس الدليل فالمظنون بذلك أولى وهذا على وضوحه ساقط فلن يحيط بالانفصال عنه من لم يتلقف من حقائق النظر.
810- والقدر الذي يحتمله هذا الكتاب: أن تعليق الدليل العقلي بمدلوله لا.