وإن كان التقسيم الظني مرسلا بين معان لا يضبطها حصر كما ذكرناه في المعقولات ورددناه فيها فقد قال بعض الأصوليين: إنه مردود في المظنونان أيضا فإن منتهاه إحالة السابر الأمر على وجدانه.
وهذا غير سديد فإن هذا الفن من التقسيم إنما يبطل في القطعيات من حيث لا يفضي إلى العلم والقطع وإذا استعمل في المظنونات فقد يثير غلبة الظن فإن المسألة المعروفة بين النظار إذا كثر بحثهم فيها عن معانيها ثم تعرض السابر لإبطال ما عدا مختاره فقال السائل: لعلك أغفلت معنى عليه التعويل.
قيل: هذا تعنت فإنه لو فرض معنى لتعرض له طلاب المعاني والباحثون عنها والذي تحصل من بحث السابرين ما نصصت عليه والغالب على الظن أنه لو كان للحكم المتفق عليه علة لأبداها المستنبطون المعتنون بالاستثارة فتحصل من مجموع ذلك ظن غالب في مقصود السابر وهو منتهى غرض الناظر في مسائل الظنون.
774- وإذا ثبت ما ذكرناه في معنى السبر وتنويعه وما يفيد منه وما لا يفيد فنرجع الآن إلى غرضنا في إثبات معنى الأصل فنقول:
قد عد القاضي السبر من أقوى الطرق في إثبات علة الأصل وهذا مشكل جدا فإن من أبطل معاني لم يتضمن إبطاله لها إثبات ما ليس يتعرض له بالبطلان فإنه لا يمتنع أن يبطل ما لم يتعرض له أيضا فإنه لا يتعين تعليل كل حكم فعد السبر والتقسيم مما تثبت به العلل بعيد لا اتجاه له.
والذي يوضح المقصد في ذلك: أنه لو انتصب على معنى ادعاه المستنبط دليل فلا يضر أن يفرض لذلك الحكم علة أخرى وارتباط الحكم بعلل لا امتناع فيه وإنما تتعارض العلل إذا تناقضت موجباتها فيمتنع الجمع بينها فإذا كانت متوافقة متظاهرة لم تتناقض.
فيتبين أن إبطال معان تتبعها السابر لا أثر له في انتصاب ما أبقاه ولو أقام الدليل على كلمة معنى لم يتوقف انتصابه معنى موجبا للحكم على تتبع ما عداه بالإبطال فلا حاصل على هذا التقدير للسبر والتقسيم في إثبات علل الأصول.
775- والآن ينشأ من منتهى هذا الكلام أمور خطيرة في الباب.
منها: أنه لو ثبت اتفاق القايسين على كون حكم في أصل معللا ثم اتجه.