كل واقعة مسلم مع انتفاء النهاية.
والسبيل فيه أن كل فن من فنون الأحكام يتعارض فيه نفى وإثبات ثم لا محالة لا يلفى أصل يعارضه نقيض له إلا والنهاية تنتفي عن أحد المتقابلين لا محالة.
وبيان ذلك بالمثال: أن الأعيان النجسة [مضبوطة محصورة والذي ليس بنجس لا نهاية له فكل ما ثبتت نجاسته] اتبع النص فيه وكل ما أشكل أمره فإن كان في وجوه النظر ما يقتضي إلحاقه بالأعيان النجسة ألحق بها وإن لم يظهر وجه يقتضى ذلك التحق بما لا نهاية له من الطاهرات فينتظم من هذه الجملة في النفي والإثبات ما لا نهاية له وكذلك القول في جميع [مسالك] الأحكام وهذا من نفائس الكلام وسنقرره على أحسن الوجوه إن شاء الله تعالى في كتاب الاجتهاد وهذا منتهى الغرض في إثبات علة الأصل بطريق الإخالة.
764- وأما ما اعتمده الشافعي وارتضاه ولا معدل عنه ما وجد إليه سبيل فهو دلالة كلام الشارع في نصبه الأدلة والأعلام فإذا وجدنا ذلك ابتدرناه ورأيناه أولى من كل مسلك [ثم] ذلك يقع على وجوه.
منها ما يقع على صيغة التعليل صريحا كقوله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} 1.
ومنها: ما يتضمن التعليل ويشعر به إشعارا ظاهرا وهو يقع على وجوه نضرب أمثلتها.
فمنها: قوله عليه السلام لمن سأله عن بيع الرطب بالتمر: "أينقص الرطب إذا [يبس] ؟ " فقال السائل: نعم, فقال عليه السلام: "فلا إذا" 2 فجرى ذلك منه متضمنا تعليلا بنقصان الرطب عن وزن التمر عند الجفاف.
وقد تكلم بعض من لا يعد من أهل البصيرة بالعربية على هذا الحديث فقال معنى الحديث أنه إذا نقص فلا يباع الناقص بالتمر الذي لم ينقص وأكد هذا عند نفسه بأن قال "إذا" يتعلق بالاستقبال والفعل المضارع المتردد بين الحال والاستقبال إذا تقيد "بإذا" تجرد للاستقبال وانقطع عن احتمال الحال وكذلك جملة نواصب الأفعال المضارعة إذا تعلقت بها فإنها تمحضها للاستقبال فقوله: "إذا" تصرف النهي إلى الاستقبال عند فرض النقصان في الرطب.