فوفاقهم إجماع حملا على هذا وعلى هذا انبنى أصل الإجماع وإن فرض فارض عدم القطع مع الرجوع عن المذهب القديم فهذا يعيد في التصوير وإن تصور ذلك على تكلف فما أرى ذلك بالغا مبلغ الإجماع فإنه لا ينقدح فيه دعوى تبكيت من يتعلق بالقول [المرجوع عنه] حسب انقداح ذلك في مواقع القطع وإذا ظهر في التردد زال ادعاء الإجماع فإن الإجماع واجب الاتباع وهو المقطوع به فهذا قولنا مع اتحاد العصر.
659- فأما إذا انقرض علماء العصر مع طول الزمان فإن المعتمد عندنا طول الزمان على الخلاف ثم [إذا] اجتمع علماء العصر الثاني على أحد المذاهب فالوجه أن لا يجعل ذلك إجماعا لما قرره القاضي من استنباط الإجماع على [تسويغ] الخلاف وما ذكره الأولون من اعتبار هذه الصورة جمع بترديد ناظر أولا واستقراره آخرا فقول عرى عن التحصيل فإن استمرار العلماء الغواصين المعتنين بالبحث المتدارك على الخلاف قطع منهم بأن لا سبيل إلى القطع فإن اجتمع في العصر الثاني قوم على أحد المذاهب فهو اجتماع وفاقي على مذهب مسبوق بقطع الأولين بنفى القطع وتسويغ الخلاف وأين يقع هذا ممن يتردد أولا ثم يتمم نظره؟
والذي يحقق ذلك أن المذاهب التي انتحلها الأولون جرت بها أقضية وأحكام ونيط بها سفك دماء وتحليل فروج من غير إنكار فريق على فريق والمتردد في نظره لا ينوط بتردده حكما ومن العبارات الرشيقة للشافعي أنه قال: المذاهب لا تموت بموت أصحابها فيقدر كأن المنقرضين أحياء ذابون عن مذاهبهم وتحقيق هذا ما ذكرناه.
مسألة:
660- إذا اتفق أهل الإجماع على عمل ولم يصدر منهم فيه قول فقد قال قوم من الأصوليين فعل أصحاب الإجماع كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبق تفصيل المذاهب في أفعال رسول الله عليه السلام ومتعلق هؤلاء أن العصمة ثابته لأهل الإجماع ثبوتها للشارع فكانت أفعالهم كفعل الشارع صلى الله عليه وسلم.
661- قال القاضي: وهذا غير مرضي عند المحققين من أوجه منها أن اجتماع أهل الإجماع على فعل يبعد تصويره فإنهم لا يعصمون عن الخطأ والزلل ولكن وفاقهم على قول حجة على الترتيب المقدم وإن زعم زاعم أنه يجب.