وشرط ما ذكرناه أن يغلب عليهم في الزمن الطويل ذكر تلك الواقعة وترداد الخوض فيها فلو وقعت الواقعة فسبقوا إلى حكم فيها ثم تناسوها فلا أثر للزمان والحالة هذه.
ثم إذا لاح أن المعتبر ظهور الإصرار بتطاول الزمن فلو قالوا عن ظن ثم ماتوا على الفور كما تقدم تصوير ذلك فلست أرى ذلك إجماعا من جهة أنهم أبدوا وجها من الظن ثم لم يتضح إصرارهم فهذا هو المغزى.
642- ثم لو روجعنا في ضبك ذلك الزمان فقد أحوجنا إلى كشف الغطاء فإنا سنقول مجيبين: المعتبر زمن لا يفرض في مثله استقرار الجم الغفير على رأى إلا عن حامل قاطع أو نازل منزلة القاطع على الإصرار وهذا إذا يمنع تصوير الإصرار مع البوح بالظن في جميع الزمان إلا أن يتكلف متكلف فيه وجها فنقول: وقد يفهم ظهور وجه من الظن فإن الأمر البالغ الجلي الظني تبتدره العلماء ابتدارهم اليقين ولكن لا يلوح جلاؤه إلا بالإصرار.
وللفطن أن يقول: من انتهى إلى هذا المنتهى فقد اعتزى إلى القطع فإن ما بلغ في الوضوح مبلغا يجمع شتات الرأي فهو مسلك متبوع قطعا فليفهم الناظر ما يلقى إليه.
643- وإما إطلاق القاضي القول بقيام الحجة من غير تفصيل ففي أطراف كلامنا ما يدرؤه واشتراط الموت مع طول الزمن لا معنى له والاكتفاء به على قرب لا طائل وراءه.
وما ذكره الأستاذ أبو إسحاق من ربط الإجماع السكوتي بالانقراض فغير مرضى فإنا سنوضح أن سكوت العلماء على قول قائل محل الظن لا يكون إجماعا ثم ما ذكره يلزمه اعتبار الزمان إذا باحوا بصدور حكمهم عن موجب الظن كما قدمناه ثم لا معول على الانقراض فالذي اخترناه استثمار طرق الحق في المسالك كلها فهذا منتهى القول في الزمان وما يتعلق به.