56- ومما يتعين على الطالب الاهتمام به في مضايق هذه الحقائق أن يفصل بين موقف العقل وبين تبلده وقصوره لفرض عوائق تعوق.
57- ومما يجب الاعتناء به الميز بين الجواز الذي هو حكم مدرك [بالعقل] وبين الجواز الذي معناه التردد.
ونحن نذكر لمساق كل مقصد مسلكا مؤيدا بمثال على قدر ما يليق بهذا المجموع إن شاء الله تعالى.
فأما الموقف الذي يحكم به ويحيل تعديه فهو الإحاطة بأحكام الإلهيات على حقائقها وخواصها فأقصى إفضاء العقل إلى أمور [جملية] منها والدليل القاطع في ذلك رأى الإسلاميين أن ما يتصف به حادث موسوم بحكم النهاية يستحيل أن يدرك حقيقة مالا يتناهى وعبر الأوائل عن ذلك بأن قالوا تصرف الإنسان في المعقولات بفيض ما يحتمله من العقل عليه ويستحيل أن يدرك الجزء الكل ويحيط جزء طبيعي له حكم عقلي بما وراء عالم الطبائع وهذه العبارات وإن كانت مستنكرة في الإسلام فهي محومة على الحقائق ولكن لا يعدم العاقل العلم بكلى ما وراء [عالم] الطبائع فأما الاحتواء على الحقيقة فهو حكم سلطنة الكل على الجزء.
وأما [ما يحمل] على تبلد العقل فهو ما يقتضيه طارئ من الاعتلال أو الاختلال ولا يكاد ينكر ذلك العاقل من نفسه ثم يتصدى له طوران أحدهما أن يعلم قصوره والمطلوب مضطرب العقل والثاني أن يتمارى أنه مضطرب العقل أم لا وبالجملة لا يحكم لمن هذا حاله بتوقف العقل كحكمنا الأول فيما تقدم.
58- وقد صار معظم الأوائل إلى أن درك خواص الأجسام [وحقائقها] من مواقف العقول [فليس] من الممكن أن يدرك بالعقل الخاصية الجاذبة للحديد في المغناطيس وهذا عندي فيه نظر فإنها وإن دقت فهي من عالم الطبائع فالجزئي من العقل مسيطر على كل الطبائع ولكن ينقدح [عندي] في ذلك أمر يحمل التعذر عليه وهو إن تهيأ مفيض العقل من الإنسان للفيض الطبيعي فلا يكاد يبلغ هذا التركيب والتهيؤ مبلغا يفيض من العقل عليه ما يحيط بالخواص وأيضا فليست الخاصية قضية طبيعية محضة وإنما هي سلطنة النفس في المحل المختص ولا بعد في قصور [جزئي] العقل عن سلطان النفس.
وبالجملة لا يقوم برهان على التحاق هذا [القسم] بالمواقف إلا أن يعتمد المعتمد.