51- ثم في بعض الأقسام التي ذكروها مواقع خلاف على ما نشير إليها.

فمن الجملة التي اختلف فيها الخائضون في التقسيم المحسوسات فقال قائلون كلها في درجة واحدة وقال آخرون السمع والبصر مقدمان على ما سواهما ثم من هؤلاء من قدم البصر على السمع لتعلقه بجميع الموجودات بزعمه ومنهم من سوى بينهما.

52 - وذهب بعض أصحاب الأقاويل إلى تقديم السمع على البصر لوجهين أحدهما أن السمع لا يحتاج إلى الأشعة المتعرضة للحركات والتعريجات والأخر أن السمع لا يختص في دركه بجهة بخلاف البصر وذكر القتبي1 هذا واختاره وذكر أن الباري سبحانه وتعالى: قدم السمع على البصر فقال: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ} 2 ثم قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ} 3 وجمع من هذا كثيرا وهو ولاج هجوم على مالا يحسنه ومما قاله: إن الله لم يبتعث أصم وفي الأنبياء عليهم السلام عميان.

ومما خاض فيه الخائضون أنا قدمنا ما يدرك بالحواس على ما يدرك بالعقل وهو اختيار شيخنا أبي الحسن الأشعري4 رحمة الله عليه وقدم القلانسي المعقولات بالأدلة النظرية على المحسوسات من حيث إن العقل مرجع المعقولات ومحلها ومرجع المحسوسات إلى الحواس وهي عرضة الآفات فهذه جمل من المقالات.

53- والحق عندنا بعيد نازح عن هذه المسالك وما أرى المقسمين بنوا تقاسيمهم إلا على الرضا والقناعة لعقود ظاهره لا تبلغ الثلج ومسلك اليقين ومن أحاط بحقيقة العلم واعتقد العلوم كلها ضرورية لم يتخيل فيها تقديما [ولا] تأخيرا.

نعم الطرق إليها قد يتخيل أن فيها ترتيبا في تعرضها للزلل فأما العلوم في نفسها إذا حصلت على حقيقتها فيستحيل اعتقاد ترتيبها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015