ولا ينبغي أن يعتقد الناظر في هذا الكتاب أن هذا مبلغ علمنا في [حقيقة العقل] ولكن هذا الموضع لا يحتمل أكثر من هذا فإذا ثبت ما حاولناه في العقل فنتكلم بعده في إثبات العلوم وذكر تفاصيلها وحدها ومداركها والأدلة عليها إن شاء الله تعالى.
فصل
38- لم ينكر من يبالي به من العقلاء أصل العلوم ونقل أصحاب المقالات عن السوفسطائية إنكار العلوم وهم أربع فرق.
قال فريق منهم وهم غلاتهم نعلم ألا علم أصلا وعمموا الجحد في الضروري والنظري.
وقال فريق [منهم] لم يثبت عندنا علم بمعلوم فلم يعلم انتفاء العلوم.
وقال فريق لا ننكر العلوم ولكن ليس في القوة البشرية الاحتواء عليها لأن الذين يحاولونها سيالون لا يستقرون في حال وإنما تحصل الثقة لمستقر ينتظم آخر عثوره على المطلوب بإنشاء الطلب.
وذهبت فرقة إلى أن العقود المصممة كلها علوم فمعتقد قدم العالم على علم ومعتقد حدثه على علم ومثلوا ذلك باختلاف أحوال ذوي الحواس فالصحيح يدرك الماء الفرات عذبا ويدركه من هاجت عليه المرة الصفراء ممقرا [مرا] .
39- وقد اختلف المحققون في مكالمتهم فذهب الأكثرون إلى الانكفاف عنهم فإن غاية المناظر اضطرار خصمه إلى الضروريات فإذا كان مذهبهم جحدها والتمادي فيها فكيف الإنتفاع بمكالمتهم؟ ومن النظار من كلمهم بالتقريبات وضرب الأمثال وإلزام التناقض فقال للأولين أنكرتم العلوم وادعيتم العلم بانتفائها [كلها] وهذا تناقض لا ينكره عاقل.
والذي أراه أنه لا يتصور أن يجتمع على عقدهم فرقة من العقلاء من غير فرض تواطوء على الكذب.