قلت: وقول أبي جعفر هنا "ومن كفرني" ليس بالضرورة أن يكون هو (الكافر) حقيقة وهو مقابل (المسلم) ، ولكن يريد ما هو أعم من هذا، فيدخل فيه من جحد النعمة فلم يظهرها ويؤدي حقها وشكرها على المعاني السابقة، والله أعلم.
وقال القرطبي معلقًا على الآية الأخرى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} أي لئن شكرتم إنعامي عليكم لأزيدنكم من فضلي، والآية نص في أن الشكر سبب المزيد1.
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي أنشر ما أنعم الله عليك بالشكر والثناء، والتحدث بنعم الله، والاعتراف بها شكر، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والحكم عام له ولغيره2. وأما قوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فقد قال القرطبي في معناها: "أي قليل من يفعل ذلك لأن الخير أقل من الشر، والطاعة أقل من المعصية"3.
قلت: والظاهر - والله أعلم - أن نعم الله كثيرة لا حصر لها، وهي لا تزال متجددة متكاثرة على العباد بفضل الله عز وجل، والشكر بأنواعه وأشكاله يحتاج إلى عزيمة ويقين، فيضعف كثير من الناس، ويقصِّرون في شكر المنعم وحمده حق شكره وحمده، ولذلك كان الشاكرون قليلين، وهم الخاصة، وفي مقدمة هؤلاء الشاكرين إمامهم سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لأنه أتقى الخلق، وأعرفهم بحق خالقه وأشكرهم له، يظهر ذلك جليًا من خلال النظر في حاله وسيرته مع أصحابه رضوان الله عليهم، ويبرز ذلك بأمور منها: