بين الإنسان والحيوان في كثير من الأمر، ومن يسير من القول في العميان، والعوران، والحولان، والصمان، والثّرم، أشرت إليه في حواشي الورقة السادسة من هذا التقديم.
ولم يرد الجاحظ بكتابه هذا أن يذكر العيوب والعاهات نعيا على أربابها، بل قصد بذلك أن يجلو صورة ناصعة مشرقة لذوى العاهات الذين لم تكن عاهاتهم لتحول بينهم وبين تسنّم الذرى. وقد مهّد لذلك بسرد شواهد وآثار من أدب العرب القدامى والمعاصرين له، في الاعتزاز ببعض العاهات والدفاع عنها والصعود أحيانا إلى الفخر بها والتمدّح، وصدق الانتماء.
وأشار في ذكاء إلى ذوي العاهات لهم ذمّة وميثاق عند من يطّلعون على عوراتهم وعيوبهم من الأطباء الذين يظهرون على شتى العيوب الباطنة السرّيّة، وكذلك المغسّلون الذين يطّلعون على هنات الموتى، إذ يقول:
«وأول الشروط التى وضعت في أعناق الأطباء ستر ما يطّلعون عليه في أبدان المرضى. وكذلك حكم من غسّل الموتى» [1] .
وهذه نظرة كريمة منه، وعزاء لمن تلقّى هذا الحظّ في دنياه بالرضا والصبر، أو بالسّخط والجزع.
وهو يقول في معرض النقد لكتاب الهيثم بن عدي، الذي كان تأليفه المغرض داعية لأن يطلب من الجاحظ تأليف هذا الكتاب:
«وقد خفت أن تكون مسألتك إياى كتابا في تسمية العرجان والبرصان، والعميان والصمان والحولان، من الباب الذي نهيتك عنه،