الكوارث التي أصيب بها المسلمون في تلك الحقبة مما يبكي كل من يحب الفضائل ويكره الرذائل، وقد بقيت هذه المؤلفات المنقولة من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفار محتفظة في مكتباتهم مئات السنين ولا علم للمسلمين بشأنها إلا ما تحيل إليه الكتب الموجودة لديهم كمراجع، ولما أراد الله إبرازها لورثتهم الحقيقيين حفز همم الكفار إلى دراسة اللغة العربية التي ألفت بها غنيمتهم هذه وكتبت بها تلك الكتب العظيمة دراسة عميقة بليغة فهموا من خلالها أسرار اللغة العربية ومراميها الدقيقة وطرق كتابتها وتأليفها وأضافوا إلى هذه الثقافة الجديدة ما عندهم من قواعد ومناهج متبعة في تحقيق المخطوطات ونشر التراث، ولما اطلعوا على هذه الكتب العربية الإسلامية التي زخرت بها مكتباتهم بعد هذا الفهم الدقيق فسابقوا إلى إحيائها ونشرها بعيدة عن التبديل والتغيير لأنهم طبقوا في نشر النصوص العربية القواعد التي تتبع في أوروبا لنشر النصوص الكلاسيكية وهي قواعد دقيقة تضمن الأمان في إخراج النص وتضمن أن يأتي النص المنشور كما وضع في أصله وهذا
يمثل قول الشاعر:
وإذا أراد الله نشر فضله طويت
...
أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار ما جاورت
...
ما كان يعرف طيب عرف العود
هذا ورغم أن الهدف الأساسي من هذه الدراسة نيل الإسلامي والمسلمين وطعن أقدس ما يملكونه من الكتاب والسنة وتشويه جمالهما الباهر بيد أنهم أنصفوا في هذه الجانب -في تحقيق المخطوطات ونشرها حيث ألزموا أنفسهم أن ينتهجوا تلك القواعد المتبعة في إحياء التراث عندهم سواء كان عربيا أم غيره-وهو إخراج النص المنشور سليما كما وضع في أصله وإلا يعتبر عيبا فاحشا في دنيا الثقافة لديهم ويتمثل فيهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "صدقك وهو كذوب".
هذا ولم يأل أيضا الورثة الحقيقيون -علماء هذه الأمة- جهادا في الحفاظ على ما سلم من صروف الدهر وتحقيق ونشر ما تبقى في أيديهم