لأنه مقلوب. وروي للجاحظ:

مرّ غراب البين من حالقٍ ... له نعيبٌ فرشقناهُ

عن قوس وصلٍ بسهامِ الهوى ... فلمْ نزلْ حتى صرعناهُ

وباشق الحبّ نصبنا له ... بلبلِ الشوق فصدناهُ

واضطربَ الباشقُ مستوحشاً ... فخيطتْ بالوصل عيناهُ

فقرَّ واستأنسَ حتى إذا ... أجابنا حينَ دعوناهُ

وثقتُ بالصيدِ، فأرسلته ... فصادَ لي منْ كنتُ أهواهُ

ولأبي نواس:

لما بدا ثعلبُ الصدودِ لنا ... أرسلت كلبَ الوصلِ في طلبهْ

فجاءَ يسعى بهِ معلقه ... وقد لوى رأسه إلى ذنبهْ

باب

التضييق والتوسيع والمساواة

اعلم أن النقاد قالوا: ينبغي أن يكون اللفظ على قدر المعنى، ولا يكون أطول منه ولا أقصر، ولذلك قالوا: خير الكلام ما كانت ألفاظه قوالب لمعانيه، فمتى كان اللفظ أكثر من المعنى كان الكلام واسعاً وضاع المعنى فيه، مثل قول بعض العرب:

ولما قضينا من منًى كلَّ حاجةٍ ... ومسحَ بالأركان من هوَ ماسحُ

وفاضوا ليوم النحرِ من كلّ وجهةٍ ... ولم ينظر الغادي الذي هو رائحُ

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا ... وسالتْ بأعناق المطيّ الأباطحُ

ولا خلاف في أن المعنى ضائع في اللفظ، لأنه بمعنى لما حججنا رجعنا وتحدثنا في الطريق. لكن عليه حلاوة وطلاوة.

ومنه:

يجري الحياء الغض في قسماتهم ... في حيث يجري من أكفهم الدمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015