كان ابن المعتز يحتذي حذو أبي تمام في صنعة البديع، ويوشي شعره بشتى ألوانه يقصدها قصدًا ويتعمدها تعمدًا، ويصوغ شعره فنًّا تغلب روح الصناعة فيه ملكات الطبع والفطرة، وكان مع ذلك "يتحقق بعلم البديع تحققًا ينصر دعواه فيه لسان مذكراته"1، وألف فيه عام 274هـ كتابه "البديع"2 وسنه إذ ذاك سبعة وعشرون عامًا، مما يدلنا على أن ابن المعتز لم يتمش في العقد الثالث من عمره حتى كان قد قتل الشعر العربي حفظًا ورواية ودرسًا وفَهْمًا.

وكان لكتابه البديع دوي في المجامع الأدبية، ثم شاع وذاع وتلقفته الأيدي وعكف العلماء والأدباء عليه، وصار مصدرًا ممتازًا من مصادر الدراسات البيانية بعد عصر ابن المعتز، ثم فقدت نسخ الكتاب الخطية وقلَّ تداوله ولم يبقَ له أثر إلا ما نقرأ عنه في شتى كتب البيان والبديع؛ ولكن العناية شاءت أن يحفظ من الكتاب نسخة خطية واحدة هي الوحيدة في العالم وهي في الاسكوريال برقم 38 أدب، وقد نشرها المستشرق الروسي المعاصر أغناطيوس كراتشقوفسكي عضو أكاديمية العلوم بليننغراد وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق وذلك عام 1935، وقد تسنَّى بعمل هذا المستشرق الاطلاع على هذا الكتاب الفذ النادر والإفادة بما فيه من بحوث تعتبر المصدر الأول للمؤلفين في البلاغة وفن البديع.

وقد قمت بشرح هذا الكتاب والتعليق عليه وتصحيحه ونشرته عام 1945، فكان ذلك إحياء لكتاب ابن المعتز، ومساهمة كبيرة في خدمة الثقافة البلاغية، وسعيًا لتداول أهم وأول مصدر أُلِّفَ في البديع.

والكتاب أول مؤلَّف في البديع وصنعة الشعر كما أجمع على ذلك جميع الباحثين3، وهو أهم كتب ابن المعتز بالنظر إلى اختصاصه في هذا الفن4،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015