وقد أجاب الرازي في مسائله بأن معناه: "ولا تعثوا في الأرض بالكفر وأنتم مفسدون بسائر المعاصي"1.
ومنهم من تحاشى ذلك ففسر العثو بغير الفساد, فنقل أبو حيان عن ابن عباس وأبي العالية معناه: "ولا تسعوا" وقال قتادة: "ولا تسيروا" ... وقيل معناه:" لا تخالطوا المفسدين" وقيل معناه: "لا تتمادوا في فسادكم" وقيل: "لا تطغوا" 2.
وقد أشار ابن عاشور إلى علة أخرى لتفسير العثو بمعنى غير الفساد حيث قال: "وفي الكشاف جعل معنى لا تعثوا: لا تتمادوا في فسادكم, فجعل المنهي عنه هو الدوام على الفعل, وكأنه يأبى صحة الحال المؤكدة للجملة الفعلية, فحاول المغايرة بين {وَلا تَعْثَوْا} وبين {مُفْسِدِينَ} تجنباً للتأكيد, وذلك هو مذهب الجمهور, لكن كثيرا من المحققين خالف ذلك واختار ابنُ مالك التفصيلَ فإن كان معنى الحال هو معنى العامل جعلها شبيهة بالمؤكدة لصاحبها كما هنا. وخص المؤكدة لمضمون الجملة الواقعة بعد الاسمية نحو زيد أبوك عطوفا 3. وقد اختار ابن عاشور نفسه أنَّ {مُفْسِدِينَ} حال مؤكدة لعاملها4.
3- قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} 5.
والبدهية هنا أن كلمة {إِلَهَيْنِ} مثنى وهو يدل على التثنية ومع هذا قال بعده {اثْنَيْنِ} وقد جَلا الزمخشريُّ في كشافه الوجه البلاغي لهذا الأسلوب فقال: "فإن قُلْتَ: إنَّما جمعوا بين العدد والمعدود فيما وراء الواحد والاثنين فقالوا: "عندي رجال ثلاثة، وأفراس أربعة" لأن المعدود عارٍ عن الدلالة على العدد