وغيرهما عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم أما أنا فإني أصلى الليل أبداً، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الآخر: أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له لكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس منى) (?).

وفي لفظ مسلم: ( ... فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم لا أنام على الفراش .. ) الحديث.

قال الحافظ ابن حجر: "قوله: (فمن رغب عن سنتي فليس منى) المراد بالسنة الطريقة .. ، إلى أن قال، والمراد: من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس منى، ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية، فإنهم الذين ابتدعوا التشديد، كما وصفهم الله تعالى، ثم قال: وطريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - الحنيفية السمحة، فيفطر ليتقوى على الصوم، وينام ليتقوى على القيام، ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل) (?).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( .. ينكر على من يتقرب إلى الله بترك جنس الملذات، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للذين قال أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر، ثم ذكر الحديث .. ) (?).

فالإنكار إنما توجه إليهم بسبب قصد القربة بهذا الترك. ومثل هذا حديث سعد بن أبى وقاص قال: (رَدَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا) (?) ...

ومن هنا تتقرر هذه القاعدة التي نص عليها الشاطبي رحمه الله حيث قال: "ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015