إِلَى أكيدر بن عبد الْملك - رجل من كِنْدَة كَانَ ملكا عَلَى دومة، وَكَانَ نَصْرَانِيّا - فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - لخَالِد: إِنَّك ستجده يصيد الْبَقر فَخرج [خَالِد] حَتَّى إِذا كَانَ من حصنه منظر الْعين، وَفِي لَيْلَة مُقْمِرَة صَافِيَة وَهُوَ عَلَى سطح وَمَعَهُ امْرَأَته، فَأَتَت الْبَقر تحك بقرونها بَاب الْقصر فَقَالَت لَهُ امْرَأَته: هَل رَأَيْت مثل هَذَا قطّ؟ ! قَالَ: لَا وَالله. قَالَت: فَمن يتْرك مثل هَذَا؟ قَالَ: لَا أحد. فَنزل فَأمر بفرسه فأسرج وَركب مَعَه نفر من أهل بَيته فيهم أَخ لَهُ يُقَال لَهُ: حسان، فَخَرجُوا مَعَه بمطاردهم - فلقيتهم خيل رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فَأَخَذته وَقتلُوا أَخَاهُ حسان، وَكَانَ عَلَيْهِ قبَاء ديباج مخوص بِالذَّهَب فاستلبه إِيَّاه خَالِد بن الْوَلِيد، فَبعث بِهِ إِلَى النَّبِي - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - قبل قدومه عَلَيْهِ ثمَّ إِن خَالِدا قدم بالأكيدر عَلَى رَسُول الله - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم - فحقن لَهُ دَمه، وَصَالَحَهُ عَلَى الْجِزْيَة، وخلى سَبيله، فَرجع إِلَى قريته» .
فَائِدَة: «أكيدر» بِضَم الْهمزَة تَصْغِير أكدر، وَهُوَ الَّذِي فِي لَونه كدرة. وَفِي «دومة» ثَلَاث لُغَات: دومة ودمة ودوما وَهِي من بِلَاد الشَّام، قَالَ الْحَازِمِي فِي «المؤتلف والمختلف فِي أَسمَاء الْأَمَاكِن» : دُوما بِضَم الدَّال - وَيُقَال: بِفَتْحِهَا -: دومة الجندل فِي أَرض الشَّام، وَبَينهَا وَبَين دمشق خمس لَيَال، وَبَينهَا وَبَين الْمَدِينَة خمس عشرَة لَيْلَة، وصاحبها أكيدر.
فَائِدَة: يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث أَن الْجِزْيَة لَا تخْتَص بالعجم؛ لِأَن أكيدر دومة عَرَبِيّ من غَسَّان وَقيل: من كِنْدَة. وَيُقَال: إِنَّه أسلم ثمَّ ارْتَدَّ إِلَى النَّصْرَانِيَّة، فَقتل عَلَى نصرانيته.