الشَّرِيعَة بِلَا مربة وَذَهَاب الدَّين بِلَا شكّ وَهُوَ تَعَالَى قد تكفل بِحِفْظ دينه وَلَيْسَ المُرَاد حفظه فِي بطُون الصُّحُف والدفاتر بل ايجاد من يُبينهُ للنَّاس فِي كل وَقت وَعند كل حَاجَة
حدانى ذَلِك الى وضع كتاب يشْتَمل على تراجم أكَابِر الْعلمَاء من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ مِمَّا بلغنى خَبره الى عصرنا هَذَا ليعلم صَاحب تِلْكَ الْمقَالة أَن الله وَله الْمِنَّة قد تفضل على الْخلف كَمَا تفضل على السّلف بل رُبمَا كَانَ فِي أهل العصور الْمُتَأَخِّرَة من الْعلمَاء المحيطين بالمعارف العلمية على اخْتِلَاف أَنْوَاعهَا من يقل نظيرة من أهل العصور الْمُتَقَدّمَة كَمَا سيقف على ذَلِك من أمعن النّظر فِي هَذَا الْكتاب وَحل عَن عُنُقه عرى التَّقْلِيد وَقد ضممت الى الْعلمَاء من بلغنى خَبره من الْعباد وَالْخُلَفَاء والملوك والرؤساء والأدباء وَلم أذكر مِنْهُم إِلَّا من لَهُ جلالة قدر ونبالة ذكر وفخامة شَأْن دون من لم يكن كَذَلِك
فَالْحَاصِل ان الْمَذْكُورين فِي هَذَا الْكتاب هم أَعْيَان الْأَعْيَان وأكابر أَبنَاء الزَّمَان من أهل الْقرن الثَّامِن وَمن بعدهمْ الى الان وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى مِمَّن أخذت عَنهُ أَو أَخذ عَنى أَو رافقنى فِي الطّلب أَو كاتبنى أَو كاتبته من لم يكن بِالْمحل الْمُتَقَدّم ذكره لما جبل عَلَيْهِ الانسان من محبَّة أَبنَاء عصره ومصره وَرُبمَا أذكر من أهل عصرى من لم يجر بينى وَبَينه شئ من ذَلِك وَقد استكثر الْمُتَأَخّرُونَ من المشتغلين بأخبار النَّاس المؤلفين فِيهَا من تسجيع الْأَلْفَاظ والتأنق فِي تنقيحها وتهذيبها مَعَ اهمال بَيَان الاحوال والمولد والوفاه وَمثل ذَلِك لَا يعد من علم التَّارِيخ فان مطمح نظر مُؤَلفه وقصارى مَقْصُوده هُوَ مُرَاعَاة الْأَلْفَاظ وابراز النكات