الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، خلق الإِنسان وعلمه البيان، وهدى من شاء إلى سلوك طريق الجنة، فأعظم عليه بذلك المنة، ونفع به الأمة، والصلاة والسلام على إمام الهداة المهتدين، وقائد الغر المحجلين، المبعوث رحمة للعالمين، الذي أخرج الله به الأمة المحمدية إلى خير المنازل وأقوم المسالك، فصاروا خير أمة أخرجت للناس؛ تقوم بالعدل، وتحكم به، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتنشر العلم، وتبث المعارف، وتدعو إلى سواء السبيل، وتحافظ على ميراث النبوة، وتصونه عن العبث والتحريف، وتبين مقاصده، وتوضح مراميه، وتحل مشكله، وتبسط القول في مجمله. وذلك لأنَّ الله أراد حفظ هذا الدين وصيانته.
وبعد، فإن أفضل العلوم وأجلُّها ما كان سببًا لنيل أشرف المنازل وأرفعها، وهو علم الشريعة الغراء، وأعلى ذلك وأرفعه ما كان متعلقًا بكلام الله أو كلام رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذ إن كلام الله وكلام رسوله قُطْبَا رحى علوم الشريعة، وعليهما مدار أحكام الشريعة في العقيدة والعبادات وسائر أحوال النَّاس. فالقرآن كلام الله الذي هو الحكم والفصل في كل ما شجر بين النَّاس، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - بيان لما نزله الله للناس من الأحكام.
وقد عنى علماء الإِسلام بخدمة الكتاب والسنة، وقاموا بذلك خير قيام، ولم يوجد في الأمم السابقة من العلماء من خدم شريعة نبي كخدمة علماء الإسلام لشريعة الله المنزلة على خير الأنام، فقاموا بضبط نصوصها، وحل ما قد يستغلق على بعض النَّاس من ألفاظها، كما قاموا بجمع ما ورد منها جمعًا عامًّا وجمعًا خاصًّا، فألَّفوا أدلة الأحكام، وأدلة العقائد، والإِيمان