البعيد أن يروي شيئًا ويتعمد العمل بخلافه، ما ذاك إلا لكون ما رواه مرادًا به ما تقدم من التأويل، ولا يكون هذا من ترك العمل بالحديث إذا خالف مذهب الراوي، وإنما هو من باب ترجيح التأويل وإن كان مخالفا للظاهر لهذه القرينة، وأجيب من جانب من قال: إن الثلاث واحدة. وهو المذهب الثالث: [أما] (أ) عن الآيات الكريمة، فهي ألفاظ مطلقة مقيدة بالسنة، وأما طلاق الملاعن، فإن التقرير لا يدل على الجواز، ولا على وقوع الثلاث، لأنا نقول: إن النهي إنما وقع فيما يكون رافعًا لنكاح كان مطلوب الدوام، والملاعن إنما يريد الفراق سواء كان فراقه بنفس اللعان أو بتفريق الحاكم، فلا يدل على المطلوب، ويمكن الجواب عنه بأنه قد طلقها في حال يصح منه فيه (ب) الطلاق، فحرمت عليه بالطلاق قبل أن يفرق الحاكم، فلو كان لا يحرمها الطلاق لاحتاج إلى تفريق، ولم يرو، إلا أنه لا يستقيم إلا على قول من يشترط في الفرقة تفريق الحاكم، وأما على قول الشافعي: إن الفرقة تقع بلعان الزوج أو بلعانهما. كما هو مذهب أحمد على إحدى الروايات عنه، فلا، إلا أنه قد يقال: في سكوت النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم إنكاره عليه تقرير على أن ذلك مشروع في البينونة على حسب ما اعتقده، وإلا لبين له أنه لا فائدة في جمع الثلات لإرادة البينونة فتأمل، وأما حديث عائشة فلم يكن فيه تصريح بأنه وقع الثلاث في مجلس واحد، فلا يدل على المطلوب، وقد يجاب عنه بأن عدم استفصاله - صلى الله عليه وسلم - هل كان في مجلس أو مجالس، يدل على أنه لا فرق في ذلك، وكذلك حديث فاطمة فيه ما ذكر إلا أنه قد يقال: لا يصح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015