الذي رجع إليه أبو يوسف حين ناظره مالك بشهادة أهل المدينة، وكان أبو حنيفة يقول: إن المُدَّ رِطْلَان والصاع ثمانية أرطال.
واختُلف هل هذا التقدير تقريب أو تحديد؟ فيه وجهان لأصحاب الشافعي، وفائدة الخلاف أنه على وجه التقريب تجب الزكاة وإنْ نقص قليلًا، وعلى وجه التحديد لا تجب، وهذا الحديث مخصص لعموم: "فيما سَقَت السماءُ العُشْر" (?) فلا تجب الزكاة فيما دون ذلك، وقد ذهب إلى هذا الجمهور منهم على وابن عمر وجابر والهادي والقاسم والمؤيد والشافعي وأبو يوسف ومحمد والثَّوْريُّ (?)، وذهب زيد بن علي والنخعي وابن عباس وأبو حنيفة إلى العمل (?) لعموم قوله: "فيما سقت السماءُ العُشْر" فتجب الزكاة فيما قَلَّ وكُثَر وتخصيصه بحديث الأوساق ممنوع، وذلك أن حديث العموم مشهور، له حكم المعلوم عندهم، وحديث الأوساق ظني فلا يقوى على تخصيصه.
وقد حكى أبو الحسين والرازي عن الشيخ أبي الحسن الكرخي أن المبين إذا كان لفظًا معلومًا وجب كون بيانه مثله وإلا لم يقبل، ولهذا لم يقبل خبر الأوساق مع قوله لا فيما سقت السماء العشر". انتهى.
وهذا بناء منهم على أن دلالة العموم على ما تحته من الأفراد قطعية، وهو ممنوع، ولكن لا يتم العمل بالتخصيص إلا إذا كان خبر الأوساق متأخرًا، وأما إذا كان متقدمًا فيستقيم ذلك على أصل الشافعي ومن قال بقوله مِنْ بِنَاء العام على الخاص مطلقًا، وأما على قول الجمهور منْ أنَّ العامَّ المَتأخر ناسخ للخاص المتقدم فلا ينم العمل به، بل العمل بالعام على تقدير تأخره أو التوقف مع جهل التاريخ والرجوع إلى غيره إنْ وُجِدَ.