فَأَصْبَحُوا قَدْ أَعَادَ اللَّهُ نِعْمَتَهُمْ ... إِذْ هُمْ قُرَيْشٌ وَإِذْ مَا مِثْلُهُمْ بَشَرُ
وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ فِي ذَلِكَ سَلَفٌ صَالِحٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص: 34] وَقَدْ ذَكَرْنَا مُلَخَّصَ مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي سُورَةِ " ص " وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَبَّاسِيَّةِ وَالْفِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيَّةِ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ وَإِحْدَى وَخَمْسِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عُدَّةُ الدِّينِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَمِيرِ ذَخِيرَةِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَلِيفَةِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ بْنِ الْقَادِرِ الْعَبَّاسِيُّ، وَأُمُّهُ أَرْمِنِيَّةٌ تُسَمَّى أُرْجُوانَ وَتُدْعَى قُرَّةَ الْعَيْنِ، وَأَدْرَكَتْ خِلَافَتَهُ وَخِلَافَةَ وَلَدَيْهِ الْمُسْتَظْهِرِ وَالْمُسْتَرْشِدِ. وَقَدْ كَانَ أَبُوهُ تُوُفِّيَ وَهُوَ حَمْلٌ، فَحِينَ وُلِدَ ذَكَرًا فَرِحَ بِهِ جَدُّهُ وَالْمُسْلِمُونَ فَرَحًا شَدِيدًا، إِذْ حَفِظَ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَقَاءَ الْخِلَافَةِ فِي الْبَيْتِ الْقَادِرِيِّ ; لِأَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ يَبْتَذِلُونَ فِي الْأَسْوَاقِ مَعَ الْعَوَامِّ وَكَانَتِ الْقُلُوبُ تَنْفِرُ مِنْ تَوْلِيَةِ مِثْلِ أُولَئِكَ الْخِلَافَةَ عَلَى النَّاسِ، وَنَشَأَ هَذَا فِي حِجْرِ جَدِّهِ الْقَائِمِ بِأَمْرِ اللَّهِ يُرَبِّيهِ بِمَا يَلِيقُ بِأَمْثَالِهِ، وَيُدَرِّبُهُ عَلَى أَحْسَنِ السَّجَايَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَكَانَ عُمْرُ الْمُقْتَدِي حِينَ وَلِيَ الْخِلَافَةَ عِشْرِينَ سَنَةً، وَهُوَ فِي غَايَةِ الْجَمَالِ خَلْقًا، وَخُلُقًا وَكَانَتْ بَيْعَتُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَجَلَسَ فِي دَارِ الشَّجَرَةِ بِقَمِيصٍ أَبْيَضَ وَعِمَامَةٍ بَيْضَاءَ لَطِيفَةٍ وَطَرْحَةِ قَصَبٍ دُرِّيَّةٍ، وَجَاءَ الْوُزَرَاءُ وَالْأُمَرَاءُ وَالْأَشْرَافُ وَوُجُوهُ النَّاسِ فَبَايَعُوهُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْحَنْبَلِيُّ