بِدِمَشْقَ بِالْمِئْذَنَةِ الشَّرْقِيَّةِ مِنْ جَامِعِهَا وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ، وَكَانَ جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ، يُسْمَعُ صَوْتُهُ مِنْ أَرْجَاءِ الْجَامِعِ كُلِّهَا، فَاتَّفَقَ أَنَّهُ قَرَأَ يَوْمًا عَلَى النَّاسِ فَضَائِلَ الْعَبَّاسِ، فَثَارَ عَلَيْهِ الرَّوَافِضُ وَأَتْبَاعُ الْفَاطِمِيِّينَ، وَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَتَشَفَّعَ بِالشَّرِيفِ الزَّيْنَبِيِّ، فَأَجَارَهُ، وَكَانَ مَسْكَنُهُ بِدَارِ الْعَقِيقِيِّ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ دِمَشْقَ فَأَقَامَ بِمَدِينَةِ صُورَ، فَكَتَبَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ مُصَنَّفَاتِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيِّ بِخَطِّهِ، كَانَ يَسْتَعِيرُهَا مِنْ زَوْجَتِهِ، فَلَمْ يَزَلْ مُقِيمًا بِالشَّامِ إِلَى سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ، ثُمَّ عَادَ إِلَى بَغْدَادَ فَحَدَّثَ بِأَشْيَاءَ مِنْ مَسْمُوعَاتِهِ وَقَدْ كَانَ سَأَلَ اللَّهَ بِمَكَّةَ، أَنْ يَمْلِكَ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَنْ يُحَدِّثَ بِ " التَّارِيخِ " بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ، وَأَنْ يَمُوتَ بِبَغْدَادَ فَيُدْفَنَ إِلَى جَانِبِ بِشْرٍ الْحَافِي، فَيُقَالُ إِنَّهُ حَدَّثَ بِ " التَّارِيخِ " بِجَامِعِ الْمَنْصُورِ، وَإِنَّهُ مَلَكَ ذَهَبًا يُقَارِبُ أَلْفَ دِينَارٍ. وَحِينَ احْتُضِرَ كَانَ عِنْدَهُ قَرِيبٌ مِنْ مِائَتَيْ دِينَارٍ، فَأَوْصَى بِهَا لِأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَسَأَلَ السُّلْطَانَ أَنْ يُمْضِيَ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا، فَأُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ.

وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ مُفِيدَةٌ، مِنْهَا كِتَابُ " التَّارِيخِ "، وَكِتَابُ " الْكِفَايَةِ " وَ " الْجَامِعِ "، وَ " شَرَفِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ "، وَ " الْمُتَّفِقِ وَالْمُفْتَرِقِ "، وَ " السَّابِقِ وَاللَّاحِقِ "، وَ " تَلْخِيصِ الْمُتَشَابِهِ فِي الرَّسْمِ "، " وَ " فَضْلِ الْوَصْلِ "، وَ " رِوَايَةِ الْآبَاءِ عَنِ الْأَبْنَاءِ "، " وَ " رِوَايَةِ الصَّحَابَةِ عَنِ التَّابِعِينَ "، وَ " اقْتِضَاءِ الْعِلْمِ الْعَمَلَ " وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَقَدْ سَرَدَهَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي " الْمُنْتَظَمِ " قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْمُصَنَّفَاتِ أَكْثَرُهَا ابْتَدَأَهَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّورِيُّ فَتَمَّمَهَا الْخَطِيبُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015