مَهْجُورَةً، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بُلِّطَ أَرْضُهُ فِي زَمَنِ الْعَادِلِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَيُّوبَ، بَعْدَ السِّتِّمِائَةِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَكَانَ جَمِيعُ مَا سَقَطَ مِنْهُ مِنَ الرُّخَامِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَخْشَابِ مُودَعًا فِي الْمَشَاهِدِ الْأَرْبَعَةِ، شَرْقِيَّةً وَغَرْبِيَّةً، حَتَّى فَرَّغَهَا مِنْ ذَلِكَ الْقَاضِي كَمَالُ الدِّينِ الشَّهْرُزُورِيُّ، فِي زَمَنِ الْمَلِكِ الْعَادِلِ نُورِ الدِّينِ مَحْمُودِ بْنِ زَنْكِي حِينَ وَلَّاهُ نَظَرَهُ مَعَ الْقَضَاءِ وَنَظَرَ الْأَوْقَافِ كُلِّهَا، وَنَظَرَ دَارِ الضَّرْبِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَزَلِ الْمُلُوكُ تُجَدِّدُ فِي مَحَاسِنِهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا، فَتَقَارَبَ حَالُهُ فِي زَمَنِ الْأَمِيرِ سَيْفِ الدِّينِ تَنْكِزَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّاصِرِيِّ نَائِبِ الشَّامِ أَثَابَهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَدْ أَرَّخَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُنْتَظَمِ هَذَا الْحَرِيقَ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتَبِعَهُ ابْنُ السَّاعِي فِي تَارِيخِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ السَّاعِي أَيْضًا فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ مُؤَرِّخُ الْإِسْلَامِ فِي تَارِيخِهِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفِيهَا نَقَمَتِ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْوَفَا بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ مِنْ كُبَرَائِهِمْ بِتَرَدُّدِهِ إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ الْوَلِيدِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُعْتَزِلِيِّ وَاتَّهَمُوهُ بِالِاعْتِزَالِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ إِلَّا لِيُحِيطَ عِلْمًا بِمَذْهَبِهِ، وَلَكِنْ سَرَقَهُ الْهَوَى وَصَارَتْ فِيهِ نَزْعَةٌ مِنْهُ، وَجَرَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ طَوِيلَةٌ وَتَأَذَّى بِسَبَبِهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ، وَمَا سَكَنَتِ الْفِتْنَةُ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ ثُمَّ اصْطَلَحُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ بَعْدَ اخْتِصَامٍ كَثِيرٍ.
وَفِيهَا زَادَتْ دِجْلَةُ عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ ذِرَاعًا حَتَّى دَخَلَتْ مَشْهَدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَشْهَدَ النُّذُورِ. وَفِيهَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْأَفْشِينَ دَخَلَ بِلَادَ الرُّومِ حَتَّى