لَمَّا كَانَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ تُوُفِّيَ الْمَلِكُ الْعَادِلُ، الْكَبِيرُ الْمُثَاغِرُ، الْمُرَابِطُ الْمُؤَيَّدُ، الْمَنْصُورُ الْمُجَاهِدُ، يَمِينُ الدَّوْلَةِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودُ بْنُ سُبُكْتِكِينَ، صَاحِبُ بِلَادِ غَزْنَةَ وَتِلْكَ الْمَمَالِكِ الْكِبَارِ، وَفَاتِحُ أَكْثَرِ بِلَادِ الْهِنْدِ قَهْرًا، وَكَاسِرُ بُدُودِهِمْ وَأَوْثَانِهِمْ كَسْرًا، وَقَاهِرُ هُنُودِهِمْ وَسُلْطَانِهِمُ الْأَعْظَمِ قَهْرًا، وَقَدْ تَمَرَّضَ نَحْوًا مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ يَضْطَجِعْ فِيهِمَا عَلَى فِرَاشٍ وَلَا تَوَسَّدَ وِسَادًا، بَلْ كَانَ يَنَامُ قَاعِدًا حَتَّى مَاتَ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِشَهَامَتِهِ وَصَرَامَتِهِ وَقُوَّةِ عَزْمِهِ، وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ سِتُّونَ سَنَةً، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَدْ عَهِدَ بِالْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ يَتِمَّ أَمْرُهُ حَتَّى غَافَصَهُ أَخُوهُ مَسْعُودُ بْنُ مَحْمُودٍ، فَاسْتَحْوَذَ عَلَى مَمَالِكِ أَبِيهِ، مَعَ مَا كَانَ إِلَيْهِ مِمَّا يَلِيَهُ وَفَتَحَهُ هُوَ بِنَفْسِهِ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ ; مِنَ الرَّسَاتِيقِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، فَاسْتَقَرَّتْ لَهُ الْمَمَالِكُ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي تِلْكَ النَّوَاحِي فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْعَامِ، وَجَاءَتْهُ الرُّسُلُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَمِنْ كُلِّ مَلِكٍ هُمَامٍ، بِالتَّحِيَّةِ وَالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ، وَسَتَأْتِي تَرْجَمَةُ الْمَلِكِ مَحْمُودٍ فِي الْوَفِيَّاتِ.
وَفِيهَا اسْتَحْوَذَتِ السَّرِيَّةُ الَّتِي كَانَ بَعَثَهَا الْمَلِكُ مَحْمُودٌ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ عَلَى