فِيهَا كَانَ خُرُوجُ أَبِي رَكْوَةَ عَلَى الْحَاكِمِ الْعُبَيْدِيِّ صَاحِبِ مِصْرَ.
وَمُلَخَّصُ أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ: أَنَّهُ كَانَ مِنْ سُلَالَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيِّ، وَاسْمُهُ الْوَلِيدُ، وَإِنَّمَا لُقِّبَ بِأَبِي رَكْوَةَ ; لِرَكْوَةٍ كَانَ يَسْتَصْحِبُهَا فِي أَسْفَارِهِ عَلَى طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ، وَقَدْ كَانَ سَمِعَ الْحَدِيثَ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ، ثُمَّ بِالْيَمَنِ، ثُمَّ دَخَلَ الشَّامَ وَهُوَ فِي غُبُونِ هَذَا كُلِّهِ يُبَايِعُ مَنِ انْقَادَ لَهُ، مِمَّنْ يَرَى عِنْدَهُ هِمَّةً وَنَهْضَةً لِلْقَائِمِ مِنْ وَلَدِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيِّ، ثُمَّ إِنَّهُ أَقَامَ بِبَعْضِ بِلَادِ مِصْرَ فِي حَلَّةٍ مِنْ حِلَالِ الْعَرَبِ، يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ، وَيُظْهِرُ النُّسُكَ وَالتَّقَشُّفَ وَالْعِبَادَةَ وَالْوَرَعَ، وَيُخْبِرُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُغَيَّبَاتِ، حَتَّى خَضَعُوا لَهُ وَعَظَّمُوهُ جِدًّا، ثُمَّ دَعَا إِلَى نَفْسِهِ، وَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهُ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْأُمَوِيِّينَ، فَاسْتَجَابُوا لَهُ وَخَضَعُوا، وَخَاطَبُوهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلُقِّبَ بِالثَّائِرِ بِأَمْرِ اللَّهِ الْمُنْتَصِرِ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ.
وَدَخَلَ بَرْقَةَ فِي جَحْفَلٍ، فَجَمَعَ لَهُ أَهْلُهَا نَحْوًا مِنْ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَخَذَ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ اتُّهِمَ بِشَيْءِ مِنَ الْوَدَائِعِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ أَيْضًا، وَنَقَشُوا الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِأَلْقَابِهِ، وَخَطَبَ بِالنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَعَنَ الْحَاكِمَ فِي خُطْبَتِهِ - وَنِعِمَّا فَعَلَ - فَالْتَفَّ عَلَى أَبِي رَكْوَةَ مِنَ الْجُنُودِ نَحْوٌ مَنْ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفًا،