بِنَفْسِهَا، وَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا وَهِيَ تَحْمِلُهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَذَلِكَ بَعْدَ مَا تَعَالَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْهَا تَحْمِلُ مَعَهَا وَلَدَهَا {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا} [مريم: 27] وَالْفِرْيَةُ هِيَ الْفِعْلَةُ الْمُنْكَرَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْفِعَالِ وَالْمَقَالِ. ثُمَّ قَالُوا لَهَا: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم: 28] قِيلَ: شَبَّهُوهَا بِعَابِدٍ مِنْ عُبَّادِ زَمَانِهِمْ كَانَتْ تُسَامِيهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَكَانَ اسْمُهُ هَارُونَ. وَقِيلَ: شَبَّهُوهَا بِرَجُلٍ فَاجِرٍ فِي زَمَانِهِمُ، اسْمُهُ هَارُونُ. قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ: أَرَادُوا بِهَارُونَ أَخَا مُوسَى شَبَّهُوهَا بِهِ فِي الْعِبَادَةِ. وَأَخْطَأَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ فِي زَعْمِهِ أَنَّهَا أُخْتُ مُوسَى وَهَارُونَ نَسَبًا ; فَإِنَّ بَيْنَهُمَا مِنَ الدُّهُورِ الطَّوِيلَةِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَرُدُّهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الْفَظِيعِ، وَكَأَنَّهُ غَرَّهُ أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مَرْيَمَ أُخْتَ مُوسَى وَهَارُونَ ضَرَبَتْ بِالدُّفِّ يَوْمَ نَجَّى اللَّهُ مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ، فَاعْتَقَدَ أَنَّ هَذِهِ هِيَ هَذِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ وَالْمُخَالَفَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ نَصِّ الْقُرْآنِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي " التَّفْسِيرِ " مُطَوَّلًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الدَّالُّ