يَنْزِلُ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ صُورَةِ ذَلِكَ الْأَمِيرِ» . فَأَجَازَهُ وَأَعْطَاهُ دَرَاهِمَ كَثِيرَةً وَالْعَجَبُ - إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا - كَيْفَ رَاجَ هَذَا عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَعَقْلٍ، وَقَدْ أَرَّخَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَفَاتَهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّينَ.
وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ:
الْخَطِيبُ أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ نُبَاتَةَ الْحَذَّاءُ - بَطْنٌ مِنْ قُضَاعَةَ، وَقِيلَ: مِنْ إِيَادٍ - الْفَارِقِيُّ
خَطِيبُ حَلَبَ أَيَّامَ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، وَلِهَذَا أَكْثَرُ دِيوَانِهِ الْخُطَبُ الْجِهَادِيَّةُ، وَلَمْ يُسْبَقْ إِلَى مَثَلِ دِيوَانِهِ هَذَا، وَلَا يُلْحَقُ فِيهِ - إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ - لِأَنَّهُ كَانَ فَصِيحًا بَلِيغًا ذَكِيًّا دَيِّنًا وَرِعًا. رَوَى الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْكِنْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ بِخُطْبَةِ الْمَنَامِ، ثُمَّ رَأَى لَيْلَةَ السَّبْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بَيْنَ الْمَقَابِرِ، فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: مَرْحَبًا بِخَطِيبِ الْخُطَبَاءِ. ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى الْقُبُورِ، فَقَالَ لِابْنِ نُبَاتَةَ: كَيْفَ تَقُولُ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلْعُيُونِ قُرَّةً، وَلَمْ يُعَدُّوا فِي الْأَحْيَاءِ مَرَّةً، فَتَمَّمَ الْكَلَامَ ابْنُ نُبَاتَةَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: يَوْمَ تَكُونُونَ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ - وَأَشَارَ إِلَى الصَّحَابَةِ - وَيَكُونُ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، وَأَشَارَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَحْسَنْتَ أَحْسَنْتَ، ادْنُهِ ادْنُهْ، فَقَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ، وَتَفَلَ فِي فِيهِ، وَقَالَ: وَفَّقَكَ اللَّهُ، فَاسْتَيْقَظَ، وَبِهِ مِنَ السُّرُورِ أَمْرٌ كَبِيرٌ، وَعَلَى وَجْهِهِ نُورٌ وَبَهَاءٌ، وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا، لَمْ يَسْتَطْعِمْ فِيهَا بِطَعَامٍ،