أَيْضًا، وَهُوَ قَوْلُهُ:

لَقِيتُهُ فَرَأَيْتُ النَّاسَ فِي رَجُلٍ ... وَالدَّهْرَ فِي سَاعَةٍ وَالْأَرْضَ فِي دَارِ

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَفْتِكِينُ مَوْلَى أَخِيهِ صَاحِبِ دِمَشْقَ يَسْتَمِدُّهُ بِجَيْشٍ يُقَاتِلُ بِهِ الْفَاطِمِيِّينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَضُدُ الدَّوْلَةِ: غَرَّكَ عِزُّكَ، فَصَارَ قُصَارُ ذَلِكَ ذُلَّكَ، فَاخْشَ فَاحِشَ فِعْلِكَ، فِعَلَّكَ بِهَذَا تُهْدَا. قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ: وَلَقَدْ أَبْدَعَ فِيهَا كُلَّ الْإِبْدَاعِ.

وَقَدْ جَرَى لَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ مِنَ الْخَلِيفَةِ مَا لَمْ يَقَعْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ ذَا هِمَّةٍ وَصَرَامَةٍ وَعَزْمٍ، اجْتَهَدَ فِي عِمَارَةِ بَغْدَادَ وَالطُّرُقَاتِ، وَأَجْرَى النَّفَقَاتِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى الْمُجَاوِرِينَ بِالْحَرَمَيْنِ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ، وَبَنَى الْمَارَسْتَانَ الْعَضُدِيَّ، وَأَدَارَ السُّورَ عَلَى مَدِينَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي مُدَّةِ مُلْكِهِ عَلَى الْعِرَاقِ، وَكَانَتْ خَمْسَ سِنِينَ.

وَقَدْ كَانَ عَاقِلًا فَاضِلًا، حَسَنَ السِّيَاسَةِ، شَدِيدَ الْهَيْبَةِ، بَعِيدَ الْهِمَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَتَجَاوَزُ فِي سِيَاسَتِهِ الْأُمُورَ الشَّرْعِيَّةَ، كَانَ يُحِبُّ جَارِيَةً، فَأَلْهَتْهُ عَنْ تَدْبِيرِ الْمَمْلَكَةِ، فَأَمَرَ بِتَغْرِيقِهَا، وَبَلَغَهُ أَنَّ غُلَامًا لَهُ أَخَذَ لِرَجُلٍ بِطِّيخَةً، فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ، وَهَذِهِ مُبَالَغَةٌ.

وَكَانَ سَبَبَ مَوْتِهِ دَاءُ الصَّرْعِ، وَحِينَ أَخَذَتْهُ عِلَّةُ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلَامٌ سِوَى تِلَاوَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة: 28]

[الْحَاقَّةِ: 28، 29] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015